ثمة مرونة في الشرع الإسلامي، فيما يخص عددا من القضايا، كتعدد الأعياد والأضحية، ومن الظلم للإسلام حرمان المسلمين من التمتع بعظمة التشريع المتمثلة في مرونته
المرأة الأربعينية التي بدت مهتمة بعرض قضيتها سرها أني توقفت لأجلها وأنا أخرج من المحطة وبيدي عمر وهند، خاصة أن الكثيرين تجاوزوها دون كلمة عذرا. أشارت لصغيري وقالت أتمنى ألا تجعليهم يحتفلون بعيد الشيطان الهولوين.. إن المسيح لن يرضى بذلك، هذا المنشور سيشرح لك أكثر وفيه عنوان كنيستنا، حيث سنجتمع غدا لرفض ما يسيء للمسيحية.. أخذت المنشور وغادرت.
الراديكاليون - أعني في أحد معاني الراديكالية التي تشير إلى الأصوليين المتطرفين - موجودون في كل الأديان، ولا يختلفون في إيمانهم بالرجعية والأصولية ورفض كل حديث، فهم هم سواء كانوا في الغرب أو الشرق.
والمثير أنهم يستخدمون العبارات نفسها والتحذيرات نفسها، لكن حجر الزاوية هنا هو المجتمع ودرجة استجابته لدعوتهم، هل سيتوقف ليستمع مثلي أنا القادمة من مجتمع يخاف على دينه لدرجة تعريته من كل صلابته وقدرته على البقاء كدين صحيح إلى قيام الساعة؛ أو غربيون يعدون الكنيسة مكانا رومانسيا لاحتفالات الزواج ولا أكثر ولا يعنيهم ما قد يؤثر على فكرها غير المنسجم مع كل ما تعلموه من منطق وثقافة وعلم.
من الجوانب التي يعاديها هؤلاء المتطرفون ما نسمعه نحن من تحريم الاحتفال باليوم الوطني أو يوم الأم أو أن يخبئ الزوج باقة ورد حمراء خلف ظهره يوم الفلانتاين؛ وذلك على اعتبارين كما أعرف، أولهما أن الله لم يأذن لنا بالاحتفال بغير العيدين، والاعتبار الثاني أن تلك الأفراح الصغيرة المتعلقة بأيام بعينها قد تسلب الفطر والأضحى مكانتهما.
يقول العلماء الأصوليون - نسبة لأصول الفقه - الأصل في الأشياء حلها ما لم يأمر الله بخلاف ذلك، وبما أنه لم يرد نهي صريح سيكون من الضيق أن نلتزم بوجهة نظر أحد ما تعبر عن رؤيته هو للأمر لا رؤية الإسلام الذي التزم الصمت احتراما لحقك في فرض ما يناسبك.
أما كون هذه الاحتفالات تسلب العيد بهجته فإن التجربة الغربية والتي أنتجت عشرات الاحتفالات والأعياد لم تؤثر مطلقا على مكانة الكريسمس بل حتى ارتفاع نسبة اللادينيين في الغرب لم تمنع من مشاهدة زينة الكريسمس تعلق على الأبواب وشجرة الكريسمس والديك الذي يذبح ذلك اليوم ويجتمع حوله الأصدقاء والعائلة.
من جانب آخر، نجد بعض هؤلاء المتطرفين يفرض رؤيته لحكم ما علينا في تناقض واضح لانفتاح الشرع وعظمته. وأقرب مثال على ذلك الأضحية التي يتطرف الكثيرون عند التعامل معها حتى تظن أنها أصبحت مثل المظاهر الاجتماعية التي نتفاخر بها وكأنها ليست أمرا شرعيا سنه الله بطريقة عظيمة، تجعل التعامل معه خاضعا للظروف المحيطة، فترك أبواب عدة نستطيع الخروج منها عندما لا نقدر على شراء أضحية أو عندما تتعرض بيئتنا للخطر، خاصة أن هذا الحيوان يستهلك أحد أهم مواردنا ولا يعوضه إلا بالنقرس وأمراض الفشل الكلوي التي ترتفع نسبتها عند السعوديين بسبب أكل اللحوم كما يقول الطب.
فلما لا نقوم بترشيد هذا العمل حماية لمواردنا خاصة أننا كلنا تمت التضحية لأجلنا على يد رسولنا صلى الله عليه وسلم، فعن جابر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه، فقال: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني، وعمن لم يضح من أمتي.. رواه أحمد وأبو داود والترمذي
ومع ذلك تجد هؤلاء المتطرفين يرفضون ذلك ويقومون الدنيا ويقعدونها حول الأضحية رغم أن هيئة كبار العلماء نوهت بكونها سنة وليست واجبة قبل سنوات عديدة، فقال ابن باز - رحمة الله عليه -: حكم الأضحية أنها سنة مع اليسار وليست واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين، وكان الصحابة يضحون في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، وهكذا المسلمون بعدهم، ولم يرد في الأدلة الشرعية ما يدل على وجوبها، والقول بالوجوب قول ضعيف.
ثمة مرونة في الشرع والفقه الإسلامي، ومن الظلم للإسلام حرمان المسلمين من التمتع بعظمة التشريع المتمثلة في مرونته.