جدة: محمود تراوري

خزندار .. الناقد حين يروي ويحجم عن تسمية نثاره

لا يكتب عابد خزندار نثره بشكل تقليدي، فهو ومذ عرفته الساحة قبل أكثر من 4 عقود، يجنح لتحطيم البنية السردية، بتقاطعات وإحالات مستمرة بما يفضي إلى أن مخيلة القارئ تكمل مخيلة الكاتب، مكتفيا بقوله: هذه حكايات كتبتها في مارس 2008، ولم أنشرها حتى الآن لأسباب مختلفة، وهي مستلهمة من ألف ليلة وليلة.

في الربع الخالي الصادرة عن مؤسسة الانتشار العربي عام 2014، يحضر خزندار الذي صافحناه فى حديث المجنون، ممارسا كل تقنيات الكتابة الجديدة. منذ البدء، لا يصنفها رواية، بل حكايات، وبين حكايته، حكاية الآخر، حكايتي، حكاية الضابط ، وصولا إلى حكايتي الأخيرة، تدور حول السرد كل الأزمنة التي يمكن أن تتقاطع، متداخلا أفقها بين بدايات القرن العشرين حتى أواخر السبعينات الميلادية. لتنبني الأحداث فى مجملها عبر تقنية الفلاش باك حول الأنا، ومواجهة الآخر، في حين يبقى السجن، الفضاء الرئيس، لكل الاسترجاعات، والتداعيات، وفي خلفية المشهد، تبرز ما يسميها حزندار أم المدائن تلك التي وعدت إلى أم المدائن، ووجدت أنها تغيرت رغم أن المدة التي غبت فيها عنها كانت قصيرة، حتى بيتنا قد هدم مما جعلني أنزل في فندق في المدينة التي شهدت مولدي. يمكنك آن تجد أثرا لثالوث الرواية الحديثة بروست، جويس، وكافكا وربما أثرا لرابعهم بورخيس، غير أن خزندار يطوع كل ذلك بحرفية متمرس، ليسكب حكاياته، بما هو أقرب لاستدرار الفعل من الذاكرة، ماضيا نحو الاستغراق فى تأمل الحياة، والتوغل فى سايكولوجية السجين، حين تطبق عليه واجدران من كل الجهات وقد أدخلت غرفة ضيقة ليس فيها مكان لواقف، كان الموقوفون جميعهم من الأجانب، وقد ظلوا واقفين مدة طويلة دون أن أجد مكانا أجلس فيه. يتحكم خزندار فى عنفوان النص، باستدراكات فنية عبر التنصيص، ولأمل قصة طويلة معي ربما أتمكن في يوم من الأيام من سردها، ولا أريد أن استبق الحوادث وأقول إنها السبب فى كل المصائب التي حلت بي، أما الحادثة الثانية فكانت مع امرأة متزوجة.. ثم يفتح تنصيصا كتبت عنها ولكني أقوم الآن بحذفها من هذا النثار لأنها ما زالت هي وزوجها على قيد الحياة وأخشى أن يفتضح أمرها، وبعد غلق التنصيص يمضي مواصلا السرد. يفعل هذا خزندار عن عمد، خشية سيطرة المنولوج الداخلي على النص، حتي تبقى الملامح الخارجية للعذابات الإنسانية كجماعة، لا كذات، هى الأبرز، محددة المشكلة الوجودية لخيبات هذا الإنسان المطحون، والتأثيرات المحيطة به، التي تصل لأعماقه حتى وهو محاصر بين جدران. وفي كل ذا تحضر سلطة الكاتب فى ثنايا الحكايات.. وفي الحقيقة حذفت أشياء كثيرة من هذا النثار لأنها عن أشخاص ما زالوا أحياء وأخشى أن يلحقهم بعض الأذى لو كتبت عنهم. لا يكتفي خزندار بهذا بل يتوغل مبررا وشارحا ثم إن هامش الكلام المباح محدود وضيق فى بلدنا والعالم العربي عموما، ولا أحسب أن كاتبا عربيا يجرؤ يوما أن يكتب رواية كرواية يوليسيس لجيمس جويس، بل إن هذا النثار الذي أكتبه قد لا تسمح أوضاع العالم العربي بنشره على الإطلاق، ثم يضيف جملة داخل التنصيص ولأنه قد لا ينشر فى حياتي فقد أعطيت نسخة منه بعد أن انتهيت من كتابته لأمل علها تنشره بعد أن أموت. أمل هذه هي حب بطل العمل الأول والأخير، التي ارتبط بها بعد خروجه من السجن، وكشفت له أنها ليست محرمة عليه، وعنها قال لقد عانينا لكي يتاح لغيرنا أن يحقق ما عجزنا عن تحقيقه.. ولهذا فلن نموت على ضيم، منهيا روايته المستحقة لقراءات أعمق وأشمل.

حيث تحضر حرب أكتوبر والأثر الذي تركته فى المنطقة العربية، خلفية خارجية لأجواء السجن، وتحضر أحداث سياسية عربية وعالمية، لها تأثيراتها في المحيط العربي، وفي كل هذا لا يخلو الأمر من حضور الحب كنافذة إشراق فى عتمة قلب وكان لا بد من أحب هذه التي اقتحمت حياتي، ولا سيما بعد أن أعربت عن مشاعرها وسمحت لي أخيرا أن ألمح جزءا من وجهها حين كانت تجلس مع ماما خديجة.

حكايات الكاتب الناقد عابد خزندار، تسجيل سردي، آسر، لا نعرف لماذا أحجم عن تصنيفه رواية؟!