صورة الطفل السوري التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى جانبه منديل عليه دماء جعلتني أتساءل: هل من العار ضرب طفل جائع فقط، أم وجود طفل جائع من الأساس؟

مما يزيد الوجع، حوادث الاضطهاد الفردية التي يتعرض لها السوريون في دول اللجوء، فبعد المقال الفضيحة عن الوجود الكثيف لسوريين تعرفهم من سمرة وجوههم في شارع الحمرا الذي أصبح أسود اللون في لبنان، إذ أرغمت ردود الفعل الساخطة عليه إدارة تحرير جريدة النهار على الاعتذار من القراء وأصحاب الضمائر الحية والسوريين، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي أول من أمس بقصة البطاطا.
بطل التراجيديا هذه المرة طفل سوري يعيش في إسطنبول، أرغمه الجوع وسقم الضمير البشري إلى دخول مطعم برغر كينغ لتناول بقايا بطاطا تركها أحد الزبائن، وبدل أن يثير هذا المشهد تعاطف وحنو القائمين على المطعم، قام مدير الفرع المذكور بضرب الطفل اللاجئ ضربا عنيفا لفعلته الشنيعة هذه!، وهنا أيضا اضطرت شركة تاب للأغذية المالكة لترخيص سلسلة برغر كينغ إلى إصدار بيان اعتذار عن هذا الحادث غير المقبول وطرد مدير الفرع من العمل، دون أن تتعهد بتعويض الطفل السوري الذي تعرض للاعتداء.
صورة الفتى التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى جانبه منديل عليه دماء، أيقظت مجددا إنسانية الحشود، فثارت كرامتهم ضـد هـذا الامتهان الصارخ لحقوق الطفل، ولا أستطيع هنا إلا الشعور بالامتنان لهبتهم المؤقتة هذه، إلا أنني في الوقت نفسه أتساءل: هل من العار ضرب طفل جـائع فقط، أم وجود طفل جائع من الأساس؟!
النشطاء والجمعيات المعنية بالطفولة عدت الأمر حادثا جللا، وهو كذلك، إلا أن الأكثر خطورة وعارا هو تجاهل الكثير من الدول والمنظمات المعنية أوضاع آلاف الأطفال السوريين اللاجئين والمشردين في الخيام والطرقات والأصقاع العربية، بعضهم يموت من البرد. وبعضهم يعضه الجوع كحيوان مفترس، وبعضهم ـ بل معظمهم ـ بلا مدارس، ففي الأردن مثلا بقيت صديقتي تبحث مدة عامين عن مدرسة تحتضن ابنها دون جدوى، فقررت الهروب إلى منفى الغرب الأرحـم، رغم قسوته، من بعض العرب، ولا ننسى الأوضاع الصحية السيئة التي يعيشها الأطفال خارج وداخل سورية في ظل شح الدواء المناسب وأحـيانا نـدرته وضعف الكوادر الطبية المسؤولة.
ما أقوله هنا ليس بجديد، هو غيض من فيض المأساة السورية، إلا أنه فقط، ومرة أخرى، صورة فاضحة لانهيار القيم الإنسانية حتى رمقها الأخير. ففي القرن الحادي والعشرين طفل يضرب بسبب تناوله بقايا بطاطا!، والأدهى أن في هذا القرن العار طفل جائع إلى حد التهام بقايا البطاطا المتروكة من أحدهم!، والأشد مرارة من الاثنين اعتبار المشهد ترفا لم يحظ به أطفال سورية الموؤودين تحت البراميل والكيماوي، دون أي فرصة متبقية لالتهام قطعة بطاطا في المنزل أو المطعم أو الخيمة أو تحت التراب!
وعلى الضفة الأخرى للمشهد السوريالي يقف العالم متفرجا عاجزا عن إيجاد حل حقيقي لمأساة العصر السورية، أو إيجاد قطعة بطاطا تسد جوع أطفالنا!
لم يتسول أطفال سورية ولن يتسولوا البطاطا مجددا، فحكاية البطاطا هذه تجعل العالم يعلن إفلاسه النهائي.
إننا متسولون جميعا، لم يعد هناك متسع لبطاطا تؤكل. إننا نأكل لحم بعضنا أيها السادة.