يمكن اعتبار أوائل 2005 أنها ذروة ما أطلق عليه لاحقا المشروع الأوروبي. ففي ربيع 2004، انضمت 10 دول من دول أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي، مما جعله أكبر اتحاد كومنولث ديمقراطي ليبرالي في التاريخ الأوروبي.
واقترح الاتحاد المعاهدة الدستورية المعروفة شعبيا باسم الدستور الأوروبي، والتي تنص على وجود عملة موحدة -اليورو- والتي بدا حينها أنها كانت تعمل بشكل جيد.
وبالنسبة للأوروبيين أنفسهم، ساد بينهم شعور بالتفاؤل من جميع النواحي،
وأسهم اندلاع الثورة البرتقالية في أوكرانيا المؤيدة للاتحاد الأوروبي في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقتها، أن ما قد بدا له من أن الاتحاد الأوروبي ما بعد الحداثة صار لينا، في الحقيقة هو يشكل تهديدا حقيقيا لسلطته. حتى إن توني جودت المؤرخ المشكك، قال في كتابه تاريخ أوروبا، بعد 1945 الذي نشر في 2005 إن القرن الـ21 قد ينتمي إلى أوروبا.
إلا أن العقد التالي أثبت أن تلك لم تكن إلا أوهاما، فقد مرت القارة الأوروبية بمجموعة من الأزمات المتلاحقة التي تركت القادة الأوروبيون في ترنح،
بدءا من رفض الدستور الأوروبي في استفتاء أجري في فرنسا وهولندا، واستمرار أزمة طوال عقد كامل بشأن نطاق منطقة اليورو، وضم روسيا لأجزاء من أوكرانيا، والهجمات الإرهابية الإسلامية، واستفتاء في بريطانيا يؤيد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وملايين اللاجئين الذين يفرون من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، فضلا عن زيادة الاتجاه المشكك في الاتحاد الأوروبي والمعادي لنظامه، وكذلك الأحزاب المناهضة لوجود للأجانب في جميع أنحاء القارة.
ولسوء الحظ، القادة الأوروبيون الذين تجمعوا في ديسمبر2015 في بروكسل لحضور أحد مؤتمرات القمة التي لا حصر لها، فشلوا في تحديد مدى عمق الأزمة الوجودية للاتحاد، فضلا عن فشلهم في إيجاد إجابات فاعلة لمواجهة خيبة الأمل المتزايدة لدى شعوب الاتحاد.
لم ينهر الاتحاد الأوروبي فجأة مثل ما حدث مع الإمبراطورية الرومانية، واحتلال جحافل البرابرة القصور البيروقراطية في بروكسل، إنما كان انهياره أشبه بانهيار الإمبراطورية الرومانية المقدسة: إذ استمرت كل المعاهدات الرسمية والاحتفالات والمؤسسات في مكانها كالمعتاد، لكن في الوقت نفسه تم نهبها وتفريغها من أية أهمية حقيقية.
لذا، فالقرار الرسمي بحل الاتحاد الأوروبي عام 2043 كان أشبه بسقوط الإمبراطورية الرومانية المقدسة 1806، وهو اعتراف متأخر بما كان واقعا سياسيا لفترة طويلة.
وبالنسبة إلى بعض الاتجاهات الموجودة حاليا، ربما يبدو ذلك السيناريو معقولا ومحتملا لمستقبل الاتحاد الأوروبي. غير أنه يتحتم علينا بذل ما بوسعنا لتجنب حدوث ذلك.
قال رئيس الوزراء البريطاني الراحل، وينستون تشيرشيل، ذات مرة إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحُكم، باستثناء كل الأشكال الأخرى التي تم تجربتها.
وأوروبا التي نعيش فيها اليوم، هي أسوأ أشكال أوروبا، باستثناء كل أشكالها الأخرى الممكنة التي تمت تجربتها من وقت لآخر.
فعلى مر التاريخ، لم يستمر أي تحالف أوروبي أو إمبراطورية أو اتحاد كومنولث أو مجتمع إلى الأبد، فجميعهم إلى زوال، لكن ينبغي علينا أن نرغب في استمرار هذا الاتحاد طالما أمكنه وأمكننا ذلك.