قاعدة الصين الدبلوماسية إزاء علاقاتها في الشرق الأوسط اقتصادية بحتة، وترتكز على تنويعها لمصادر النفط وعدم الاعتماد على مصدر وحيد. القاعدة التي بنت عليها الصين علاقاتها الدبلوماسية في منطقتنا جعلتها محايدة تماما في علاقاتها مع السعودية وإيران، وحتى الآن لم تبد أي تصرف سياسي يظهرها بمبدأ المنحاز. هذا الحياد امتد حتى وصل إلى مرحلة تهديد أمنها الاقتصادي النفطي. فالحكومة الصينية لا تعرف حتى الآن كيف تتصرف إزاء الصراع السعودي الإيراني، فالصينيون محتارون، ولا يريدون الانزلاق في هذا الصراع، أو لعب دور الوسيط السياسي، وفي نفس الوقت لا تستطيع بكين الانحياز لدولة دون أخرى، ويعود ذلك إلى عدم رغبتها في أن تكون لديها التبعية الاقتصادية في استيراد النفط، فهي إن انحازت لإيران فإن ذلك يعني مخاطرتها بأهم مورد نفطي لها وهو السعودية، وإن انحازت للسعودية ضد إيران فإنها ستكسر قاعدتها الاقتصادية، وهي تنويع مصادر النفط وعدم الاعتماد على مصدر واحد، والصين محايدة رغم وعيها بأن عدم اتخاذها أي خطوة في هذا الشأن قد تعقبه صعوبات كبيرة على اقتصادها.
أثناء رصدي ومتابعتي التصريحات الرسمية الصينية وجدتها لم تخرج عن النمط المحافظ المعتاد، فقد صرح السيد تشانج نائب وزير الخارجية الصيني أن الصين لا تنحاز لأحد، وأنهم يتخذون دائما موقفا متوازنا، ما جعلني أتساءل هذا الحياد إلى متى؟! وهل هذا الحياد يحمي مصالحنا الاقتصادية المشتركة مع الصين وهي ترى إيران تدس أنفها في شؤون الدول الخليجية والعربية وترى توسعها الإرهابي؟ وإلى متى هذا التردد الصيني وهي تشاهد إيران تدعم حزب الله الإرهابي لأن يمتلك 80 ألف صاروخ، وتشعل الحروب الطائفية في العراق، وتسلح عصابات الحوثي المتمردة على السلطة الشرعية في اليمن، وتفتعل المشاكل في مملكة البحرين، ولذلك فإن الحياد الصيني في هذه المرحلة لم يعد في صالحها، وبات يهدد مصالحها الاقتصادية بشكل مباشر.
أشار الرئيس الصيني شي جين بينج في الخطاب المهم الذي ألقاه في مقر جامعة الدول العربية: إلى أن التنمية هي الحل النهائي للعديد من الصعوبات الحالية التي تعاني منها المنطقة، وكل النظريات الاجتماعية والاقتصادية تؤيد ما أشار إليه في خطابه بأن التنمية وزيادة فرص العمل والإنتاجية عامل مساعد للقضاء على الاضطرابات، وأنها ضرورة لدعم الاستقرار، ولكن هذه النظرية يمكن تطبيقها وتكون مقبولة ومنطقية عندما يسعى كل الأطراف إلى تطبيقها، ولذلك لا يمكن تحقيق التنمية في المنطقة العربية وإيران تحرق مقرات البعثات الدبلوماسية الرسمية على أراضيها، وتخلق الفوضى وتزرع العصابات والجواسيس، وتدعم الإرهاب وبالخصوص في العراق وسورية واليمن ولبنان.
رغم التأكيدات الصينية الرسمية المستمرة على أنها ستظل محايدة سياسيا إزاء قضايا الشرق الأوسط، إلا أن استمرارها في ذلك ربما يعرض مصالحها الاقتصادية الضخمة في المنطقة لخطر حقيقي قد تدفع ثمنه باهظا من اقتصادها والتي لم تخسر حتى الآن دولارا واحدا من أجل حمايته، ولم يعد الحياد الصيني في صالح اقتصادها الأول عالميا من استهلاك النفط، خاصة بعد أن أطلقت أميركا في عام 2009 سياسة الاستدارة من الشرق الأوسط، وعززت سياستها أمورا عدة أهمها هو قرب أميركا من الاكتفاء الذاتي من النفط الصخري، ولذلك تعتقد أميركا أنه لا جدوى من استمرار سياسة حماية منابع النفط وطرق انتقاله البحرية، لأن الصين باتت هي المستفيدة الأكبر من الحماية، واستدارة أميركا من الشرق الأوسط تعتبر دعوة غير مباشرة وحثا للصين بأن تشارك أو أن تتولى بالكامل حماية مصادر النفط، ومسارات نقله البحرية بحكم أنها المستهلك والمستفيد الأول.
التدخل الصيني لحل مشاكل منطقة الشرق الأوسط أصبح أسهل في ظل الإصلاحات المتسارعة والكبيرة التي قامت بها السعودية في المنطقة، فخلال أقل من عام واحد بقيادة الملك سلمان -حفظه الله- بادرت السعودية بعملية عاصفة الحزم في مارس من العام الماضي لقصف المواقع التابعة لميليشيا الحوثي، والقوات التابعة للمخلوع في اليمن، وهي تقود الآن عملية إعادة الأمل لليمن عبر دعم الشرعية اليمنية ضد تمرد الحوثيين، وأسست التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وقبل أيام قليلة أعلنت السعودية أن لديها الاستعداد للمشاركة في العمليات البرية ضد داعش في سورية، وكل ما على الصين الآن لتحمي مصالحها الاقتصادية وتؤمن مصادرها النفطية -والتي تعد المستهلك الأكبر لها على مستوى العالم- هو أن تدعم عمليات المملكة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، لتحقيق الأمن الإقليمي وإفشال مخططات إيران التوسعية، مما يعزز السلام في المنطقة، ويخلص الصين من نظرية الحياد التي تدل كل المعطيات على أرض الواقع أنها غير صحيحة وينبغي أن تتخلص منها قبل فوات الأوان.