من الخطوات الهامة التي دفعت بها رؤية الملك سلمان التحضير لمرحلة ما بعد الحرب في اليمن، وذلك بالإعداد لمؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن يستضيفه مجلس التعاون، ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي
اعتمد قادةُ دول مجلس التعاون في القمة الخليجية الأخيرة رؤيةَ خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي تهدف إلى تعزيز دور مجلس التعاون الخليجي في جميع المجالات. ووجّه القادة باستكمال تنفيذ هذه الرؤية خلال عام 2016، لأن الأمر ملحٌّ لا يحتمل التأخير.
بدأ العمل في تنفيذ الرؤية على مدى الأشهر القليلة الماضية. وسأتناول اليوم الجوانب العسكرية والأمنية والسياسة الخارجية، التي تشكل أجزاء مفصلية في تشكيل البُعد الإستراتيجي في هذه الرؤية الشاملة.
ففي المجال العسكري، سعت الرؤية إلى تسريع خطوات التكامل العسكري بين دول المجلس، وتوحيد العقيدة القتالية بين جيوشها، وتعزيز التصنيع الحربي، لدعم قدرتها على حماية أراضيها وشعوبها من أي تهديد خارجي، الآن أو مستقبلاً. وتحقيق ذلك يتطلب استكمال خطوات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون خلال عام 2016، وإنشاء منظومة الدفاع الصاروخي لتعزيز قدرة دول المجلس على التصدي لأي هجوم صاروخي. كما سعت الرؤية إلى تحقيق تكامل أكبر لمواجهة الحروب الإلكترونية، بعد أن تعرضت بعض مؤسسات دول المجلس إلى هجمات إلكترونية متكررة نجح بعضها في اختراق قواعد البيانات فيها.
وفي مجال الأمن الداخلي في دول المجلس، دعت رؤية الملك سلمان إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز قدرة هذه الدول على حماية مواطنيها من مخاطر الإرهاب والجريمة والمخدرات، وسائر التهديدات الأمنية، وذلك من خلال تسريع وتيرة العمل نحو استكمال إنشاء أجهزة وكوادر الشرطة الخليجية، وبقية المنظومات الأمنية الأخرى، وتعزيز قدرتها على تنسيق وتكامل جهود دول المجلس لمكافحة الإرهاب، والتجسس، والتهريب، والاتجار بالبشر، والجريمة المنظمة؛ والتعاون في مجالات التدريب والتجهيز. ويشمل ذلك أيضاً استكمال منظومة التشريعات الأمنية الموحدة، بما في ذلك تبني قوانين لحماية وتحصين المجتمعات الخليجية من مخاطر الإرهاب، وحماية أمن المعلومات.
وفي مجال السياسة والعلاقات الخارجية، هدفت الرؤية إلى تعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون، وتفعيل دوره في القضايا الإقليمية والدولية، وإنجاز الشراكات الإستراتيجية والاقتصادية بين المجلس وسائر دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية، بما يعود على المواطن بالفائدة.
فدعت الرؤية، على سبيل المثال، إلى تفعيل الشراكات الإستراتيجية الدولية القائمة حالياً بين مجلس التعاون والدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا والمملكة المتحدة. وقد تم بالفعل خلال الأشهر الماضية تنفيذ عدد من الفعاليات والبرامج المشتركة مع بعض هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة، وتسريع تنفيذ خطط العمل المعتمدة معها، كما تم استئناف مفاوضات التجارة الحرة مع الصين في 17 يناير 2016، بعد انقطاع استمر حوالي 7 سنوات.
ودعت الرؤية كذلك إلى تفعيل اتفاقات التعاون مع الدول والمجموعات الأخرى، فمجلس التعاون كان قد أبرم عدداً من الاتفاقيات المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفنية، بالإضافة إلى اتفاقيات الحوار الإستراتيجي، مع دول عدة مثل الهند، وباكستان، واليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وجمهورية بيرو، والمكسيك، وأستراليا، ونيوزيلندا، فضلاً عن مجموعات إقليمية مثل منظومة الميركوسور في أميركا الجنوبية (وتشمل دولاً مثل البرازيل والأرجنتين وأوروجواي وباراجواي)، والآسيان التي تمثل 10 دول آسيوية، والاتحاد الأوروبي الذي يمثل (28) دولة في أوروبا، ومنظمة (كوميسا) في إفريقية وغيرها.
ووجهت رؤية خادم الحرمين الشريفين بعقد شراكات جديدة مع بقية الدول المؤثرة عالمياً، وبناء على ذلك يجري حالياً تقييم عدد كبير من الدول والمنظومات الإقليمية في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية. للنظر في إبرام شراكات أو اتفاقيات معها، ومن الدول المرشحة لذلك إندونيسيا وبنجلادش والفلبين وبروناي وفيتنام وكمبوديا في آسيا، ودول (رابطة التجارة الحرة الأوروبية) وتشمل سويسرا والنرويج وآيسلندا، حيث ترتبط بها دول المجلس باتفاقية تجارة حرة، ولكن التعاون معها يمكن أن يمتد ليشمل أبعاداً إستراتيجية كذلك. كما يمكن أن تشمل هذه الدائرة دولاً مهمة في أميركا الجنوبية مثل تشيلي وكولومبيا.
ومن الخطوات الهامة التي دفعت بها رؤية الملك سلمان التحضير لمرحلة ما بعد الحرب في اليمن، وذلك بالإعداد لمؤتمر دولي لإعادة إعمار الجمهورية اليمنية يستضيفه مجلس التعاون، ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي، وذلك بعد وصول الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي المنشود وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم (2216).
وفي هذا المجال على وجه الخصوص قامت الأمانة العامة لمجلس التعاون بالتنسيق مع الجهات المختصة في دول المجلس والحكومة اليمنية، والمؤسسات والمنظمات الدولية، وعدد من الدول المهتمة بالشأن اليمني، بالإعداد للمؤتمر الدولي لإعادة إعمار اليمن، وعُقد أول اجتماع بهذا الشأن في 13 مارس 2016، شارك فيه ممثلون من دول المجلس، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الإسلامي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي وغيرها.
كما شرعت الأمانة العامة في إعداد برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي. ولذلك فإنه بعد توصل الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي، ستكون هذه الخطط والبرامج جاهزة لعقد مؤتمر إعادة الإعمار والبدء في تنفيذ برنامج التأهيل الاقتصادي الذي أشرت إليه.
تمثل رؤية الملك سلمان، التي اعتمدها قادة مجلس التعاون، خارطة طريق لتعزيز قيادة المجلس في المجالين الإقليمي والدولي. ونظراً إلى أن الفترة المحددة لتنفيذها هي ما تبقى من عام 2016، فإن نهاية العام يجب أن تشهد تغيراً ملموسا في الخريطة الإستراتيجية للمنطقة ودور مجلس التعاون والمملكة فيها.