كنا كلنا، كبيرنا وصغيرنا، نستلم رواتبنا من النفط، وهو سلعة متقلبة وناضبة ومهددة، تعدنا 2030 أن نستلم رواتبنا من إنتاجنا، نحن السلعة الأبقى. وهذا عندي، أغلى ما في الرؤية

 لأول مرة نحلم معا بذات الحلم، الشعوب الحية كل يوم في إنجاز وكل يوم في طموح. وطموح بلدنا يتخلّق من جديد.
منذ حلم عبدالعزيز وحلم رجاله كانت إنجازات التأسيس ثم البناء المستمر الذي تختلف وتيرته لكنه لم يتوقف.
لطالما انشغلنا ومعنا العالم حول لحظة انتقال الحكم من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد، بدأت عناوين الانتقال في عهد الملك عبدالله يرحمه الله تعالى، وسرعان ما أنجزها وفصّلها الملك سلمان بحنكة وحكمة في وقت قياسي، ذلك في عام صعب على الصعيد الخارجي، قيادة تحالف عسكري يستعيد شرعية اليمن، عام تتهاوى فيه أسعار النفط، ولحظة سياسية مفصلية مع البعيدين والقريبين. لحظة نعيشها لأول مرة.
منذ عقود ونحن نسمع عن تهديد اقتصادي إما ببدائل للنفط أو بالزيادة منه أو بالنفط الصخري، هذا التهديد كان له مصدر واحد هو أنهم يعلمون اعتماد اقتصادنا على النفط. وسواء صح التهديد أو لم يصح فإن اعتماد اقتصادنا عليه كان خاصرتنا الرخوة، وقد كان التفكير بمصادر دخل غير النفط حاضرا في تفكير قياداتنا المتعاقبة، لكن إيجاد مصادر دخل أخرى تلزمه بيئة مختلفة عن البيئة التي يمثل وريد قلبها، بيئة مختلفة على مستوى التفكير والثقافة والأنظمة وطريقة تناول الحياة. وهذا ما اعتمده الملك سلمان ومجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي. وشاء الأمير محمد بن سلمان أن تكون هذه الرؤية موضوع أول حديث تلفزيوني له.
يحتل الأمير محمد مساحة حضور واسعة في ذهن السعوديين تضاعفت مرارا بعد حديث الإثنين. لقد قرأنا أحاديثه للصحافة الغربية عن رؤيته لكن كان من المفيد أن يظهر الأمير ليتحدث بنفسه. ويمكن الكلام عن الحديث ويمكن الكلام عن حضور الأمير نفسه في ذهنية المتابعين. عن امتلائه بالمشروع وعمق إيمانه بفكرته، لقد تحدث عنها كمواطن سعودي يملك مشروعا طموحا وواضحا للجميع ويمتلك الثقة بنفسه وبشركائه المواطنين. لقد وضعنا برؤيته وبشخصه داخل الحلم، ولأنه متفائل فلا بد أن نتفاءل خصوصا نحن الغالبية الذين لا يفهمون في الاقتصاد وأدواته، ولا بد أن نتفاعل.
لا أفهم في الاقتصاد مثلما يفهم زميلي هنا برجس البرجس، لكني أفهم أن الرؤية، وإن كان عنوانها الاقتصاد، لكنها ستفرض تغييرات في أسلوب الإدارة، إدارة كل مؤسسة، ستفرض تغييرات في أنظمة التعليم والقضاء والخدمات والبيروقراطية لتتمكن العربة من الانطلاق المتسارع في سباق مع الزمن الذي حددته لنفسها وهو زمن يمكن اختباره.
لا أفهم في الاقتصاد ولن أتطاول على ذكر إيجابيات أو سلبيات، لكني مواطن مؤمن بالحلم ذاته ولا بد أن أشارك فيه.
كثير من المشاكل التي كان يرهقنا حلها منفصلة عن بعضها كالتعليم أو الإسكان أو الصحة أو القضاء أو الفساد وهدر المال العام وعدتنا الرؤية بأنها ستجد طريقها لحلول متكاملة، والكل يعلم أننا لن نصل إلى 2030 كما نحلم أن تكون إلا إذا مشت كل القنوات السياسية والإدارية والاجتماعية والخدمية والحقوقية والتعليمية بنفس السرعة إلى ذات الغاية.
هناك كلمات حفظها السعوديون من حديث الأمير تتعلق بالرقابة والمحاسبة ولعل من أهم ما قاله أن الفساد سيكون أصعب في المرحلة القادمة، أي ستكون الأنظمة الإدارية أكثر إحكاما وشفافية، وأن الشعب سيراقب ويحاسب ويدافع عن مكاسبه ضد من لا يعجبه ذلك، فالأمير كان حاسم الإصرار في البدء بنفسه وتحمل ما يجب عليه تحمله.
أنا المواطن الذي لا يفهم في الاقتصاد لكني أفهم هل الخدمة المقدمة لي من الدولة كفؤة وأمينة كما أستحق أم بقيت كما هي وبقيت كما أنا، وهل أنا شريك أم متفرج؟! أنا اسم أم صوت؟
كنا كلنا، كبيرنا وصغيرنا نستلم رواتبنا من النفط، وهو سلعة متقلبة وناضبة ومهددة، تعدنا 2030 أن نستلم رواتبنا من إنتاجنا، نحن السلعة الأبقى. وهذا، عندي، أغلى ما في الرؤية.
نحو 2030 بثقة وتفاؤل كثقة وتفاؤل الأمير محمد. ولا يلتفت للخلف منا أحد.