جازان جاذبة للاستثمار، ولهذا يتقدم كثير من المواطنين بطلب منح سامية لهم ولعوائلهم، ولأنهم ليسوا مقيمين في جازان، فسيقومون ببيعها على أبناء المنطقة الذين ينتظرون منح البلديات والإسكان من عشرات السنين
في جازان الدنيا سماء وماء، ألقت الرباب، في ثلاثة أسابيع، أثقالها على هذه المنطقة الصغيرة التي تعترف بالجميل، وترد التحية على عجل، فقبل أن تنتهي الرباب وأمطارها صارت جازان سجادة خضراء، انتشر فيها أهلها يقودون السيول من ناحية، ويحرثون الخبوت من ناحية، وما زالت السيول تجري وما زالت السماء تنهمر.
جازان صغيرة، صغيرة جدا، يضمها، من خصرها، بنظرة واحدة من وقف على جبل فيفاء، ونظر غربا حين ينبسط أمامه السهل بقراه ومدنه، ولا ينتهي إلا في زرقة البحر والسماء.
القرى في جازان مزدحمة، ومتجاورة، أين كان مكانك منها، ليلا، فأنت محاط بالأضواء، حيث لا مكان للفراغ ولا للظلام، أما في النهار فجازان إما جبل وعر وإما وادِ وإما مزرعة، وما تبقى من ذلك فهو بيت للسكن.
لما تأخرت جازان تنمويا، كان أهلها مضطرون للبيع من أراضيهم ليصرفوا على معيشتهم وعلى تعليم أبنائهم، ومن الطبيعي أن يكون المشترون إما من تجار جازان القلائل، وإما من المواطنين الذين يأتون من مناطق كان لها حظ مبكر من التنمية مثل عسير والرياض، إذ شارك هؤلاء في تنمية جازان تجاريا وزراعيا وعقاريا، إذ في العادة يضعون أراضيهم مخططاتِ يبيعونها على غيرهم من المواطنين، وعلى أهل جازان خصوصا، من أولئك الذين أكملوا تعليمهم وصار عليهم خوض الحياة والبحث عن سكن.
ولهذا، نسمع صراخ الجازانيين بوضوح كلما صدرت مجموعة منح سامية أو من البلديات في المنطقة، وكان حظهم منها قليلا، مقارنة بأسماء مواطنين غير مقيمين أصلا في جازان.
فبعضهم قدم طلب منحة من عشرات السنين ولم يحصل عليها حتى اليوم، وقد أصدرت إمارة المنطقة وأمانتها بيانين حول هذه القائمة، وأنهما غير مسؤولتين عنها.
جازان منطقة نامية بسرعة، وجاذبة للمستثمرين ولطلاب المنح، ولهذا فكثير من المواطنين الذين يدركون ذلك يتقدمون بطلب منح سامية لهم ولعوائلهم، أحيانا يبلغ العدد 10 أسماء، أي أنهم يحصلون على منح تشكل لهم مخططا كاملا جاهزا، ولأنهم ليسوا مقيمين في جازان، وربما لم يعرفوها أصلا، فهم سيقومون ببيعها على أبناء المنطقة الذين ينتظرون منح البلديات ووزارة الإسكان من عشرات السنين.
وهم عندما يصرخون يتوقعون أن المسؤولين في المنطقة وخارجها يعرفون سبب صراخهم، وسيقومون بوضع أولوية لهم بصفتهم محتاجين للمنح أكثر من غيرهم. إن المنح السامية حق لكل مواطن في أي مكان يختاره، لكن هناك جزء من الصورة ليس واضحا.
أنقل لكم من صحيفة عكاظ العدد 3544، ما دار في حالة مشابهة قبل 5 سنوات، حين حاول أمين منطقة المدينة المنورة تبرير سوء توزيع المنح السامية أمام أمير المدينة آنذاك الأمير عبدالعزيز بن ماجد، بالقول لا نستطيع استباق الأحداث، إذ توجد منح ملكية تم صرفها للمواطنين، فرد عليه أمير منطقة المدينة توجد أوامر ملكية تعطي الناس حقوقها وأولوياتها. إن المنح الملكية والأوامر الملكية لها تفسيراتها، لا أن يتم تفسيرها اجتهادا فهي نافذة، لكن من حق ولاة الأمر علينا تقديم الصورة بشكلها الكامل، فهذه والحمد لله من المبادئ الإسلامية التي تؤكد أن لا فرق بين أحد في التعامل. مهمتنا الأساسية عدم تقديم أحد على الآخرين من غير وجه حق، فأهل المحافظات لهم كامل الأولوية في الحصول على المنح المصروفة داخل محافظاتهم، لأننا نرفض جملة وتفصيلا منح أي شخص من خارج المحافظة، فضلا عن منح أشخاص كثر من أجل أن يعودوا ليبيعوها على أبناء المحافظة، فهذا أمر غير مقبول مطلقا.
وهذا الـغير مقبول مطلقا هو بالضبط ما يحصل في جازان، وهو سبب الصراخ المؤلم مع كل دفعة منح. عدم حصولهم عليها، أو تأخرها عشرات السنين، إضافة إلى أنهم يرونها تذهب إلى غيرهم ممن هم من خارج المنطقة، وسيبيعونها على أهل المنطقة الذين هم الأولى بها ديموغرافيا وتنمويا.