بجوار الصديق السعيد، عبدالله بن سعيد أبوملحة، كنت أسرق من بين يديه على متن رحلة الطائرة الطويلة عناوين الصحف التي كان يقلب فيها ما بين الإقلاع والهبوط. يطلب مني أن أتأمل الفوارق ما بين

بجوار الصديق السعيد، عبدالله بن سعيد أبوملحة، كنت أسرق من بين يديه على متن رحلة الطائرة الطويلة عناوين الصحف التي كان يقلب فيها ما بين الإقلاع والهبوط. يطلب مني أن أتأمل الفوارق ما بين تحقيقين جميلين على هوامش الزميلة صحيفة المدينة. إلى أسفل الصفحة كانت قصة (رقية وأطفالها العشرة) وهي تصارع الفقر والجوع. أرملة بنصف دستة من البنات وأربعة من الذكور الصغار. كل طفل يعيش بعشر لقمة. إلى أعلى الصفحة قصة امرأتين تعملان على (تنانير) الأسماك في تهائم عسير الساحلية. تكافحان أيضا من أجل شرف الحياة وفي اليد فرصة عمل. في القصة الأولى، تذرع رقية شوارع المدينة من أجل بقية البنات، ومن أجل لقمة العيش، وفوق هذا من أجل ما هو أنبل: من أجل ألا تخرج نصف دستة من البنات إلى الشوارع المجاورة وكأنها تقول: تكفي العائلة متسولة واحدة.
ودعنا نتجاوز أي أمل لأي مستقبل لهذه (الرقية) الطاعنة في العمر ودعنا أيضا نؤمن أن التسول لديها أصبح منهج حياة وأصبح أيضا تركيبة دم.
ولكن من سيضمن لنا أن ست بنات لن يسلكن ذات الطريق ولن يكنَّ في الغد في ستة شوارع مجاورة. من هو الذي حرم هؤلاء البنات فرصة العمل الشريف وشوارع الحياة الكريمة ثم يكافحهن بالقانون ضد التسول؟ كيف يمكن لامرأة أن تعمل ضد قانونين: ضد قانون الفتوى الذي يحرمها فرصة كريمة لعمل كريم وضد قانون مكافحة التسول الذي يطاردها في الشوارع كي يوقف الظاهرة؟ كيف نقول لهذه المرأة أن تبقى في المنزل بلا عمل، وأن تبقى في المنزل كي لا تخرج تمد يديها إلى أيدي المحسنين؟ فما هي المعجزة الخارقة التي تستطيع أن تكسو وتطعم نصف دستة من النساء بين الجدران الأربعة؟ نحن من خلق هذا النمط المخجل من الحياة في وجه رقية وأطفالها العشرة. نحن من كتب لها وظيفة المتسول التي لا تكتب في حفيظة النفوس ولا في دفتر الأحوال. نحن من أجبرها على التسول أمام الإشارات والدكاكين. نحن من أقفل كل – كاونتر – في وجه بناتها الست ثم اخترعنا لها ما يسيل مياه الوجه من الخجل أو الدموع: أن تبقى شحاذة أمام ذات الكاونتر.