الدكتور علي عبدالله الشهراني، أستاذ الآثار المساعد بجامعة الملك خالد، له حضور مكثف واشتغالات وتشوفات معمقة، تدور حول الأصول الجمالية وما صنعه الإنسان من منظومات حسية وتذوقية في محيطه المجتمعي، من خلال الإطار النظري والتطبيقي، والمواءمة بين مشهدية الواقع وإخضاعه وعرضه القراءة التحليلية، بعيدا عن البهرجة والحشو والسرد الممل والإفراط التنظيري، له ولع شديد بملاحقة وتدوين الموروث المجتمعي ومساجلته في منطقة عسير، والاستجابة له فنيا وعاطفيا إلى درجة الانصهار والحميمية، مما دفعه إلى النهوض بتلك الطروحات واستجلاء ما فيها من أسرار ومضامين ومعطيات إنسانية، وذلك لخوفه المشروع من الإمحاء والطمر والغفلة والإفقار لذلك الموروث الإبداعي، والتعالق معه والانفتاح عليه بكل موحياته،رغم شراسة العصر، وحركة التحولات، وكان آخر نشاطه الفكري والبحثي كتابه «مفردات العمارة التقليدية بعسير» من إصدارات نادي أبها الأدبي، إذ كشف المخبوء من تلك المفردات ومكنوناتها، كخامات البناء وأدواته، ومفردات عمال البناء وطرق البناء وعناصره المعمارية، وأنماط البناء التقليدية، ومفردات الفتحات النافذة ومكملاتها، والفراغات الداخلية للمسكن العسيري، والعناصر المعمارية الخارجية، ومفردات تزيين المباني وزخرفتها، وقد تمكن الباحث من التعرف على «129» مفردة معمارية مرتبطة بعمارة عسير التقليدية، قام بتأصيلها وتقعيدها والتأكيد على فصاحتها، كما وردت في لسان العرب ومعاجم اللغة، والتعويل على الصورة لتوثيق المسمى واستبطان المعنى وتمثلاته، وأوصى في نهاية بحثه على دعوته للباحثين والمهتمين بإجراء الدراسات والبحوث التي تهتم بالإرث الشفاهي، وتفعيل البرامج التي تسهم في حفظ الإرث وتوثيقه، وإيجاد مراكز متخصصة في كل منطقة تعنى بالتراث الشفاهي، والوسائل المثلى للمحافظة عليه، وإصدار مجلة متخصصة تهتم بالفنون الشعبية والتراث الوطني.

وأضيف إلى توصيات الدكتور أمنية قديمة، بأن تسعى جامعة الملك خالد إلى إنشاء «كلية للعمارة والتخطيط»، إذ تعدّ منطقة عسير أكبر متحف مفتوح للعمارة، كما يقول المؤرخ الدكتور «محمد آل زلفة»، وأضيف إلى تفسير الدكتور مرزوق حول مفردة «الخلب والمخلابة» بأنهم عند تحضير الطين وخلطه بالحثا «التبن» ودوسه حتى يتماسك، يغمرونه بالماء مدة «يوم وليلة» في صورة تشبه الوعاء، فإن لم يتسرب الماء أو ينقص أصبح مادة صالحة للبناء، إنهم معماريون يفعلون ما يعجز عنه المهندسون، ولذا أتساءل دائما: لماذا لا نستلهم الموروث العمراني في منطقة عسير؟ خلال عبقريته وتناغمه البصري مع الطبيعة، ولما فيه من خصوصية هندسية وإنسانية، وعمق وفطرية، وحس مرهف.

يقول المهندس إبراهيم أباالخيل، وهو يتحدث عن العمارة التقليدية في عسير، «هو تكوين له عمقه التاريخي والحضاري في ثقافتنا العربية، كما أن له صلابته الهندسية التي اكتشفها الإنسان عند بناء حضارته الأولى، فمكونات العمارة في عسير متعة عقلية وقيمة تعليمية، فهي بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه.

عندما اقتربنا من تفاصيل العمارة العسيرية، اكتشفنا أنها عمارة متوازنة إنشائيا وثقافيا واجتماعيا، وتندمج مع عمقها الطبيعي بشكل مذهل، ويقول حسن فتحي شيخ البنائين وفيلسوف العمارة «انظروا طين الأرض تحت أقدامكم، ثم ابنوا، فمن الطين خُلق آدم، وإليه المعاد».