منذ عدة أشهر لم يعد الحديث في الأوساط الثقافية المحلية وخصوصا وسائل الإعلام عن قضية 'سرقة أدبية' أو هجوم على مؤسسات ثقافية ، أو إشادات نقدية بإصدار جديد ، وحتى عرائض 'الإنكار'

منذ عدة أشهر لم يعد الحديث في الأوساط الثقافية المحلية وخصوصا وسائل الإعلام عن قضية سرقة أدبية أو هجوم على مؤسسات ثقافية ، أو إشادات نقدية بإصدار جديد ، وحتى عرائض الإنكار والاستنكار، الموجهة ضد بعض الفعاليات الثقافية ، تلاشت بشكل ملموس ، ليس لأن أصحابها أيقنوا بأهمية الفعل الثقافي ، وأهمية تعدد الأطياف والرؤى . لكن لسبب بسيط هو أن الجميع انشغلوا بجدالات حول اللوائح التي وضعتها وزارة الثقافة والإعلام زادا يوميا لكل من يتابع أحوال وأهوال الساحة الثقافية في المملكة . فأصبح الكل يأكل من هذه القصعة الضخمة دون أن يُلاحَظ عليها أي نقص .
لأن منطبخ هذه اللوائح أبدع في جعلها متجددة يوميا ، فلم تنفد ولن تنفد حتى و لو استمر الأكل منها عدة سنوات مقبلة . فالإبداع في طبخ لائحتي الأندية الأدبية والنشر الإلكتروني مثلا ، تمثل في جعلهما أشبه بـالبوفيه المفتوح ، الكل مدعوون للأكل ، وفي حال اقتربت الكمية من الانتهاء ، فإن هناك من سيعيد التحضير من جديد ، وبمواصفات وكميات جديدة . وللحق فإن هذا الأسلوب في طرح اللوائح أسلوب جديد على الثقافة الإدارية المحلية ، فالمتعارف عليه ، أن أي لائحة تصدر عن جهة حكومية أو حتى خاصة ، تصبح سارية المفعول منذ صدروها ، ولا يسمح لأحد بـ مد يده إليها حتى وإن كان الأمر على سبيل التذوق .
لكن وزارة الثقافة والإعلام كسرت هذا العرف وسلكت طريقا يراه الكثيرون ، طريقا إيجابيا يعزز مبدأ الرأي والرأي الآخر ، حيث جعلت الجميع يمدون أيديهم لها ، بل إن بعضهم أكل في لائحتي الأندية الأدبية والنشر الإلكتروني بـالخمس ، فأحدث فيهما ندوبا وثغرات كبيرة ، يستحيل معها ، تقديم اللائحتين بهذا الشكل ، في أي محفل داخلي أو خارجي . وهو ما حتم إعادة طرحهما لـ الطبخ الشعبي من جديد ، من مبدأ المشاركة الشعبية في صنع القرار الثقافي.
المشكلة التي ظهرت وستظهر من جديد، أن كثرة الطهاة قد يفسد الطبخة بكاملها ، وبالتالي ، نبقى في دائرة مفرغة ، هذا يزيد الملح وذاك يضبط مقادير الحرية حتى تخرج اللائحة بـنكهة محلية، صالحة للاستخدام الآدمي . ولأن رضا الناس والمسؤولين غاية لا تدرك ، فإنني أجزم أن ”ضيوف اللوائح سيبقون سنوات وسنوات يشمون رائحة الطبخة الزكية ، دون أن يحظوا بـ الوليمة المنتظرة . وربما يكون هذا السر الخفي لـ طبخة اللوائح الخاصة بالجانب الثقافي .