لو كان اسم صالح الزيد (25 عاما) أندرسون لاحتفلنا به وضربنا الدفوف ورقصنا بالسيوف. فللأسف وسائل إعلامنا تسلط الضوء على الوجوه المستوردة، وتهمل المحلية إلا من رحم الله. نحن بيئة اعتادت التشكيك في قدرات أبنائها. احترفت العزوف عن دعمهم ورعايتهم. من المحزن أننا لا ندرك أهمية أن نربت على أكتاف الواعدين، وأن نمنحهم اهتماما يزيدهم إبداعا وتألقا.

أشعر بغصة عندما أقرأ إشادة في مجلة أمريكية رصينة أو قناة أجنبية واسعة الانتشار بكفاءة سعودية أو منتج كان خلفه أحد أبناء أو بنات الوطن، في حين لا أثر لهم في إعلامنا قبل ذلك الظهور. حدث ذلك مع الدكتورة غادة المطيري التي تترأس مركز أبحاث في جامعة كاليفورنيا وقبلها الكثير. واليوم يتكرر الأمر مع مهندس البرمجيات، صالح سعد الزيد، الذي تصدرت منتجاته واسمه العديد من وسائل الإعلام الغربية.

فقد كتبت مجلة (بي سي) ماجازين بإسهاب عن منتجه (أنتايني). ونشرت حوله شركة (أدوبي) في مطبوعتها المتخصصة في التصميم والإبداع تقريرا مفصلا. وحصل برنامجه على المركز الرابع في قائمة موقع ديجيتال انسبيريشن لأفضل 101 خدمة ويب مفيدة على الإنترنت عام 2010. واعتبرته شركة جوجل كأحد أهم الإضافات البرمجية، بعد أن وضعته في الصفحة الرئيسية لمتصفحها كروم في أبريل 2010، فيما تخطى البرنامج الأسبوع الماضي حاجز 100 مليون طلب منذ بداية إطلاقه في سبتمبر 2008.

ويعد برنامج أنتايني، أداة لاسترجاع الرابط الأصلي من الرابط المختصر، والتي تستخدم عادة في الشبكات الاجتماعية، وغالبا في تويتر. ويستخدم أيضا كأداة حماية يكشف فيها الوصلة الأصلية ومدى خلوها من الفايروسات قبل النقر والذهاب للموقع.

وصالح لم يقدم هذا البرنامج فحسب بل لديه عدة مواقع برمجية ناجحة مثل تويت إيميل، الذي أطلقه في نوفمبر 2010، واشترك فيه نحو 4 آلاف، واستقبل أكثر من 10 آلاف رسالة. وبالإضافة إلى ذلك قدم صالح، تويت بيس، وهو دليل لبرمجيات تويتر، اشتراه من مبرمج هولندي وقام بتطويره.

ولا يقتصر تميز صالح على مهاراته البرمجية فحسب، بل يتميز بدماثة أخلاقه وتواضعه ونبله. فهو لا يدخر جهدا في سبيل نشر الثقافة التقنية لدى محيطه. يقوم بتقديم الدورات المتخصصة. كما ينشر تدوينات بصرية تمتد إلى 30 دقيقة تعنى بالإجابة عن أسئلة برمجية وتقنية.

شخصيا كلما شعرت بخيبة أمل، ذهبت إلى قناته في اليوتيوب لأبتهج. فوعيه يشعل الأمل في صدري. يقول المفكر أحمد لطفي السيد، إن أنفع الناس للناس...أعظمهم. وصالح يعتبر أيقونة لا مثيل لها في العطاء...في السخاء.

لو نبت صالح في مكان آخر لأصبح ثريا. ليس ثريا بالمال فقط بل بملايين المعجبين الذين سيسحرهم نبوغه وتفوقه. لكن لأنه ولد بيننا لم يحظ باهتمام يستحقه. يجعل جهده واضحا وقريبا. يجعله كبيرا وجديرا. فهو يبدو غريبا وسطنا. لا أعني بالاهتمام نشر صورة له أو لقاء قصيرا معه. أقصد دعمه ورعاية مشاريعه التي تحتاج للكثير من التمويل والرعاية والتقدير وقبل ذلك الآذان الصاغية لترى النور، ولتعانق النجاح.

ربما نعتبر أكثر أمة تتحدث عن الاقتصاد المعرفي وبرامج المواهبين والمبدعين ورأس المال البشري. لكننا آخر أمة تفعل هذه البرامج.

يقول المبرمج الأمريكي، وارد كوننيجهام، وهو يستلم إحدى جوائزه: إنني ممتن لأنني ولدت وسط هذه البيئة. أعرف أصدقاء ذبلوا في أنحاء متفرقة في العالم لأن الأيادي الكريمة لم تمتد لهم.

المبدعون زهور. إذا لم نروها لن تتفتح. إنني أدعوكم لأن نسقي صالح ورفاقه بكل ما نملك، بمالنا، وأقلامنا، وابتسامتنا وهذا أضعف الإيمان. إنهم مصدر ثراء الوطن. إنهم مستقبله.