سوق العمل تأثر كثيراً بالعولمة. والسؤال المهم اليوم هو إلى أي مدى تتناسب تخصصاتنا وبرامجنا مع سوق عمل العولمة؟

كما هو تصريح وزارة العمل هذا الأسبوع ببلوغ نسبة البطالة النسائية 28,4% فقد تعمدت أن يحمل عنوان مقالي اليوم ثلاث قضايا أساسية في مجتمعنا. ولمناقشة هذه القضايا نسأل: أولاً فيما يتعلق بسوق العمل: ماهي المجالات المتاحة للعنصر النسائي؟ هل نحن نعرفها جيداً؟ وهل معرفتنا لها مبنية على دراسة تكشف لنا بصورة علمية ماهي المجالات المتاحة للعنصر النسائي في سوق العمل؟ بمعنى هل قمنا بإعداد دراسات علمية نعرف من خلالها ما هي تلك المجالات؟ بغير ذلك تبقى معرفتنا انطباعات لا تكشف لنا الواقع بصورة دقيقة. وثانياً فيما يخص البطالة النسائية: كم عدد العاطلات عن العمل؟ وما هي مؤهلاتهن؟ والإجابة على هذا التساؤل سهلة ويمكن حصرها عن طريق معرفة خريجات الثانوية العامة ومن التحق منهن بالجامعات وعن طريق معرفة الخريجات من الجامعات وكذلك من يحملن مؤهل الثانوية العامة اللاتي لم يلتحقن بالجامعات. والانطباع يقول إن أعداد من يبحثن عن العمل منهن كبيرة. أما ثالثاً وهو ما يخص إقرار التخصصات والبرامج فهي قضية القضايا. وذلك لأن إقرار البرامج يجب أن يعتمد على حل القضية الأولى، وإذا لم نعالج قضية معرفة مجالات سوق العمل بصورة علمية دقيقة فلن نتمكن من إقرار تخصصات على مستوى الجامعات وبرامج على مستوى الدبلومات لخريجات الثانوية العامة. وهي قضية القضايا، لأن التخلص من الأقسام القديمة واستبدالها بأقسام جديدة تتناسب مع سوق العمل دونه خرط القتاد، للدفاع المستميت من أصحاب تلك التخصصات ببقاء تلك الأقسام حتى دون جدوى. والأمر يحتاج إلى حزم.
إذاً فالقضايا الثلاث متلازمة. ولا يمكن حل واحدة بمعزل عن الأخرى، وإلا أصبحت حلولنا عرجاء لا تستطيع السير.
سوق العمل اليوم تأثر كثيراً بالعولمة. والسؤال المهم اليوم هو إلى أي مدى تتناسب تخصصاتنا وبرامجنا مع سوق عمل العولمة إذا عرفنا حقيقة أن تخصصات خريجي عام 2004 لا تصلح لسوق العمل في عام 2012؟ وأنا لم أقل ذلك. قاله خبراء سوق العمل العالميون.
هناك مجالات مناسبة للعنصر النسائي وفرتها العولمة ولا بد من إدخالها في أقسام الجامعات لدينا. ولا بد من التدريب عليها لخريجات الثانوية العامة بمستويات تناسب مؤهلاتهن والفترة القصيرة للتدريب. ومن تلك المجالات على سبيل المثال لا الحصر: مجال التصميم الجرافيكي والوسائط الرقمية ومجال التصوير والطباعة ومجال التصميم الداخلي ومجال الابتكار وتصميم المنتجات كتصميم النسيج والملبوسات والذهب والإكسسوارات. هذه مجالات لا يجب أن تقتصر على مؤسسة بعينها أو مركز تدريب واحد، بل يجب تعميمها، لأنها تجذب العنصر النسائي الذي سيبدع فيها ومن ثم تقضي على البطالة. نعم هذا انطباع لا أزعم أنه يشكل كل الحقيقة، لكن لابد من تعزيزه بدراسة علمية نحيط من خلالها بكل مجالات سوق العمل بشكل دقيق.
إن لم نفعل ذلك أظن أن مشكلة البطالة ستتفاقم. وهنا نطرح أسئلة ملحة لا بد من طرحها لمعالجة القضايا الثلاث سالفة الذكر: كم هن العاطلات عن العمل الآن؟ وكم سيكون عددهن بعد خمس سنوات؟ وما هو انعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ وما هي الخطط التي تم أو يتم إعدادها لمعالجة هذه المشكلة؟ وإلى أي مدى نجحت تلك الخطط؟ وما هي جوانب الإخفاق؟ وما هي أسبابها؟ ومن المتسبب؟ وهل تم علاج تلك الإخفاقات؟ هذه خطوات خطة العمل التي يجب أن تقوم بها الخطط المعدة أو التي ستعد لعلاج المشكلة ثم تحديد العلاج وفق ما ينتج عن خطة العمل تلك.
إن وجود الآلاف من العاطلات عن العمل الآن وإمكانية ارتفاع العدد خلال السنوات القادمة ووجود الآلاف مما لا يملكن مهارات يشكل المحور الأساسي في تفاقم المشكلة. القطاع الخاص وفقاً لما تراه الدراسات هو المحرك للنمو الاقتصادي كما يجب أن يكون المواطن هو الخيار. وللإجابة على التساؤلات السابقة وتحقيق الأهداف التي ذكرتها لا بد من إصلاح التعليم والتدريب: من خلال الأمور الآتية:
الأول: التعليم والتدريب على مهارات في المجالات التي يحتاجها سوق العمل، وذلك من خلال دراسات علمية يتم فيها التعرف على مجالات سوق العمل بشكل علمي وما يشكله كل مجال من نسبة بالمقارنة مع المجالات الأخرى وذلك للتعرف على الأعداد التي يحتاجها كل مجال وذلك تفادياً لإغراق السوق بتخصصات أكثر مما يحتاجها ذلك المجال.
الثاني: أن يكون هناك تدريب حقيقي يكسب المهارات التي تم التدرب عليها ويكون هناك تقييم حقيقي وصادق لمن يلتحق بتلك البرامج. وأن تتأكد الجهات الرقابية من ذلك.
الثالث: أن يتم إلحاق المتدربات في المجال الذي تدربن عليه فوراً من خلال برنامج التنسيق مع أصحاب الأعمال لاحتضان المتدربات من مرحلة وجودهن أثناء التدريب أو من خلال إفساح المجال لهن بالبدء في تأسيس أعمال خاصة صغيرة في المجال الذي تدربن عليه وتسهيل إجراءات ذلك والقضاء على البيروقراطية التي عادة ما تقود إلى اليأس.
الرابع: توسيع دائرة استيعاب مؤسسات التدريب الفني لقبول العنصر النسائي.
أما ما يخص مخرجات الجامعات التي توجد بها تخصصات لا تخدم سوق العمل فهو وجود أقسام لا بد من التخلص منها.
وهذا قرار صعب يجب المسارعة في اتخاذه بشجاعة من الجامعات وإلى تحمل ما يترتب عليه من تبعات مثل ما يأتي:
أولاً: مقاومة الرفض من أرباب التخصصات التي ستلغى والإصرار على ذلك لأن مصلحة المجموع أهم من مصلحة الأفراد.
ثانياً: إعادة تأهيل الأساتذة في التخصصات الجديدة بإلحاقهم في برامج دراسية تسمى (post graduate studies) في مجالات يحتاجها سوق العمل.
عدم الإسراع في هذه الخطوة الصعبة هو في تقديري ما سيجعل جامعاتنا مستمرة في تخريج دارسات في مجالات لا يحتاجها سوق العمل لدينا، مما يفاقم المشكلة.