الطائف: خالد الطويل

سجال نقدي في أولى جلسات سوق عكاظ

تحولت الندوة الثقافية الأولى في مهرجان سوق عكاظ الثقافي الرابع، والتي عقدت ظهر أمس, إلى سجال ما بين فارسيها الدكتور عبدالواحد لؤلؤة وأستاذ الشعر في جامعة منوبة مبروك المناعي الذي شارك بدلاً من الجزائري واسيني الأعرج بعد اعتذاره عن الحضور، حيث اعترض المناعي على آراء زميله لؤلؤة فيما يتعلق بعدم وجود ناقد عربي طرح نظرية منذ عصر ابن قدامة، ووصف حكمه بـالمتطرف والمتشدد، مؤكدا أنه سيقدم من الأسئلة ما يحرض الجمهور للرد على هذه الآراء.
وكان الدكتور لؤلؤة، الذي سبق له أن فاز بجائزة خادم الحرمين الشريفين في مجال الترجمة، ويعمل حالياً مستشاراً ثقافياً للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أكد خلال حديثه عن تجربته الكتابية في الندوة التي أدارها الدكتور عبدالعزيز السبيل أنه لا يملك نظرية نقدية على الرغم من أنه بلغ من العمر 101 عام ولكنه يتعاطى النقد كما يتعاطى المدمنون الأفيون – على حد قوله، وأضاف: أننا نضحك على أنفسنا إن قلنا إن لدينا ناقداً يستحق هذا الاسم منذ القرن الرابع الهجري، منذ قدامة بن جعفر!.
وقال لؤلؤة إنه لاحظ أن من يكتب النقد يكتبه بوجهة نظر نقاد غربيين ويوحي للآخرين بأن تلك النظريات له، وهي ليست له، مشيراً في هذا السياق إلى حالة الغضب التي تسببت فيها آراؤه حين قال إن طه حسين ليس ناقداً لأنه لا يملك نظرية نقدية، وأضاف: أن طه حسين عندما كتب في الشعر الجاهلي هو فقط طبق نظرية ديكارت في النقد.
وأكد العراقي لؤلؤة، الذي وصف نفسه بـصاحب اللسان الطويل، أنه من بغداد تخرج عمالقة الشعر وقادة الحركة الحديثة من نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبدالوهاب البياتي، إلاّ أن هذه الوضعية الثقافية التي أنتجت كل هذا الزخم الذي لم يعد لها وجود هذه الأيام على الإطلاق.
وأوضح الدكتور لؤلؤة في المحاضرة التي شهدت حضوراً نخبوياً أنه درس النقد على يد نقاد إنجليز، وأنه تعلم أن النص الأدبي يأتي في المقام الأول قبل كل اعتبار، في إشارة منه إلى من ينظرون إلى النص من مرجعية صاحبه ولا يجعلون النص في المقام الأول.
وتحدث لؤلؤة عن الخطأ الكبير الذي وقع في ترجمة قصيدة الشاعر تي إس إليوت المعنونة بـالأرض اليباب، والتي ترجمت إلى الأرض الخراب، مشيراً إلى أن القاموس يؤكد عكس ذلك حيث إنها الأرض التي تعود إليها الحياة، وقد شرح ذلك موسعاً في أحد تقاريره.
ويرى لؤلؤة أن حديث الكاتب عن تجربته يشبه الاعتراف، أو ما ينشر في بعض المجلات المصرية في باب إعلانات الزواج، حيث يبين الشخص ما له من فضائل تستهوي الجنس الآخر أو تنفره.
وكان لؤلؤة قد تحدث في بداية الندوة عن نشأته شمال مدينة الموصل وعيشه بها إلى أن حل طاعون أمريكا، وما شاهدته هذه المدينة قبل هذا الطاعون من مواءمة بين جميع الديانات، وقال: كان المسيحيون يشاركوننا في الأعياد الإسلامية ونحن نشاركهم في أعيادهم وفي المدرسة، ولم نسمع طيلة تلك الأيام بشيء اسمه سنة أو شيعة حيث كانت الأسواق في العاشر من المحرم بالموصل تغطى باللون الأخضر ويتم الاحتفال بقراءة القرآن على روح الحسين وأرواح الشهداء بواقعة كربلاء.
أما أستاذ الشعر العربي في جامعة منوبة بتونس ومستشار وزير التعليم العالي، مبروك المناعي فبدأ بمناقشة لؤلؤة في عدد من الآراء التي قدمها في تعريفه للشعر الحر، وحول ما طرحه عن مشكلة الشعر والترجمة وقوله إنه ليس بالعرب ناقد واحد في هذا العصر، وهو الحكم الذي اعتبره المناعي حكماً شديداً ومتطرفاً متسائلاً: هل من الضروري أن يملك الناقد نظرية نقدية؟، مؤكداً أننا لو طبقنا هذا المقياس لأوقفنا عشرات الآلاف من الناس في مراكز الأمن الوطني ومنعناهم من النقد.
وقال المناعي إنه لم يصل بعد إلى السن التي يقف بها متحدثاً عن تجربته، حيث لا يزال يحاول ويجرب، مؤكداً أنه شرع بأمور الكتابة مباشرة بعد تخرجه من دار المعلمين وأن الملمح العام لتجربته النقدية في الكتابة يتمثل في كونها تجربة مجددة عصرية حديثة ولكن غير مارقة عن التراث وغير منفصمة عنه، فكل الأعمال تقريباً تقع في تقاطع بين مقتضيات الوفاء في شروط الدقة للاشتغال في التراث من جهة، ومقتضيات الدقة والنجاعة في اختبار منهاج النقد الأدبي التي استوحيناها والحق يقال من الغرب.
وتناول المناعي تجربته في كتاب الشعر والمال (موضوع رسالته في الماجستير) وهو الكتاب الذي يدرس مسألة مهمة هي: الكيفية التي ينشأ بها المعنى الشعري.
إلى ذلك، شهدت الندوة عدداً من المداخلات التي رد عليها لؤلؤة والمناعي حيث قال الأخير إن لؤلؤة يعلم أن طه حسين ناقد، ولكن كثرة مدعي النقد والشعر دفعته لأن يقول رأيه، فيما ذهب لؤلؤة إلى أن غالبية المداخلات إما لم تفهم ما قدمه، أو أنها أساءت الفهم!.