جدة: نسرين نجم الدين

الضغوط الحياتية بيئة خصبة للإصابة بالأمراض المزمنة

بينما يتهاون البعض في تأثير الضغوط التي تمارسها الحياة، على الحالة الصحية، يؤكد استشاريون في الصحة النفسية، أن الأمراض المزمنة والخطيرة، هي نتاج الضغوط الحياتية التي لم نهتم بتخفيف آثارها على صحتنا الجسدية والنفسية، كما يؤكدون حقيقة تداخل الصحة النفسية والبدنية، بل وتتابع ألم أي منهما، لألم الآخر، فالألم النفسي يتبعه أمراض في الجسد، والعكس صحيح، والحقائق العلمية تؤكد أن الضغوط الحياتية بيئة خصبة للإصابة بالأمراض العضوية المزمنة مثل السكري والضغط، كما أن الأمراض النفسية تؤثر على الجانب العضوي والأمراض العضوية المزمنة بدورها تؤثر على الحالة النفسية للإنسان.
وقدم الاستشاريون وصفة الحياة الصحية، وحددوا خطوات ستة للعيش السليم، تراعي الجسم والمشاعر والحالة النفسية.
استشاري الصحة النفسية رئيس وحدة البحوث والدراسات والشؤون العلمية بمستشفى الأمل بجدة الدكتور محمد أيمن عرقسوسي يقول إن الأمراض النفسية تؤثر في الجانب العضوي للإنسان، والأمراض العضوية تتأثر بجوانب نفسية له كذلك، وهذا التداخل بين الصحة البدنية والنفسية يتضح خصوصا مع الأمراض المزمنة.
ويطالب الدكتور عرقسوسي بالتصدي لمشاكل الصحة النفسية لمن يعانون من أمراض بدنية، ويتابع للتصدي لمشاكل الصحة النفسية التي تصيب من يعانون من أمراض بدنية مزمنة، يجب توفير خدمات الرعاية البدنية لمن يستفيدون من خدمات الصحة النفسية، وذلك في إطار رعاية متكاملة ومستمرة، حيث الأمراض المزمنة إما أمراض جسدية بأسباب نفسية (نفس جسمية)، وهي مجموعة الأمراض التي تصيب بعض أجهزة الجسم أو وظائفه نتيجة لاختلال شديد أو مزمن في كيمياء الجسم نتيجة لضغوط سيكولوجية نفسية، أو أمراض جسدية ذات آثار نفسية تزيد من معاناة المصاب وتدهور صحته، إن لم يكن لها تدخل ملائم، أو أمراض نفسية وسلوكية تؤثر في حياة الإنسان وصحته.

دائرة التأثر
وأوضح الدكتور عرقسوسي أن الضغوط بيئة خصبة للإصابة بالأمراض العضوية والنفسية، يقول الجسد يستجيب للضغوط في مراحل ثلاث، مرحلة الإنذار، وفيها يزداد معدل إفراز هرمونات الأدرينالين والكورتيزول، والتي تزيد من طاقة الجسم، وعندما تنفذ الطاقة المتولدة ينتقل إلى مرحلة المقاومة، وينتهي به إلى مرحلة التهالك والإجهاد، التي يمكن اعتبارها نتاجاً عن الضغوط المستمرة، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكر، وغير ذلك من الأمراض والمشاكل الصحية التي تنتج عن التعرض المستمر للضغوط، فيما تظهر عوارض الضغوط في سلوكيات تنبيء بإنذارات في تأثر الصحة النفسية، وهذه هي مرحلة الخطورة، وقد يتمثل ذلك في عدم الثقة بالنفس، أو عدم التوافق مع المجتمع، أو سرعة الانفعال تجاه المواقف، أو الشك المستمر، والشعور بالاضطهاد أو الظلم، والميل للعزلة، كما قد تتطور الأعراض إلى القلق العصابى، أو الإدمان على الكحوليات، والتدخين، والأدوية، والاستهداف للحوادث والإصابات والأمراض المزمنة.

الشفاء نمط الحياة
العلاجات النفسية عادة تتم بعد تحديد الأسباب، ومن ثم تحديد الأساليب العلاجية الممكنة بحسب ماذكره الدكتور عرقسوسي، وقالتدريب المريض على تبني نمط حياة صحي من أهم الأشياء التي يمكن للمعالج عملها لضمان نوعية حياة وصحة نفسية أفضل للمريض.
ولتكوين هذا النمط لدى المريض أكد الدكتور عرقسوسي على ضرورة مراعاة الخطوات الستة للعيش السليم، وهي الجسم الصحيح، والمشاعر المتوازنة، والتفكير السليم، والحياة الروحية، والعلاقات الشخصية، والإجتماعية الجيدة مشيرا إلى أن نمط الحياة الصحي يعكس نوعية حياة أفضل للمريض.
وأضاف أن لتكوين النمط الصحي قد يستخدم العلاج الديني أوالدوائي أو النفسي المتمثل في تخفيف حدة الردود الدفاعية، بالإضافة إلى تقوية الاستبصار، وأسلوب التفريغ والتنفيس، كما أن العلاج النفسي الجماعي له تأثير إيجابي كبير بحيث تصبح الجماعة والنوادي بيئة العلاج المناسبة للمريض.
الأخصائية النفسية في مستشفى الأمل بجدة أميرة الزهراني من جانبها أيدت هذه الحقيقة الطبية، وأكدت على شواهد علمية على أن الأمراض المزمنة لها تأثير كبير على الحالة النفسية للمريض، وعلى أدائه الوظيفي وحياته الاجتماعية، وقالت البرامج العلاجية التلطيفية لنفسية المريض أثبتت نجاحها في تحسين حياة المريض، وإن من أفضل البرامج العلاجية التلطيفية هو العلاج بالأمل، حيث أكدت الدراسات تفوق هذه النوعية من العلاجات في التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق المصاحبة للأمراض الجسدية المزمنة، حيث يسعى العلاج بالأمل إلى بناء ما يمتلكه المريض من قوة، والحفاظ على ما يمتلكه من إمكانات، مؤكدة أهمية وضع أهداف طويلة الأجل وقصيرة الأجل، باستخدام الإيحاء الذاتي الإيجابي، مع الابتعاد عن ترديد الكلمات السلبية، كما أكدت دراسات أخرى أهمية كبرى للاستفادة من خبرات الآخرين الذين يمتلكون الأمل والتعلم منهم واكتساب نظرة إيجابية نحو الحياة، وبالتالي تحسين حياة المريض.