بعد انتظار طال لأكثر من نصف ساعة تحت الشمس مع المحاولات المضنية لوصف العنوان للسائق قالت صديقتي عباراتها بانفعال: والله هجولة. في البيت فتحت كمبيوتري وبدأت بالبحث عن معنى كلمة هجولة وصلت لهذا المعنى الذي يلائم استعمالها المستمر في حياتنا: فيقال هجل بالشيء يهجل هجلا يرمي به، أهجل المال ضيعه، أهجل الإبل أهملها. تذكرت أنه بالفعل وقوفنا تحت أشعة الشمس وتحمل مضايقات المارة في انتظار السائق هو الهجولة بمفهومها العام. وأكثر ما يشعرنا نحن النساء بأنا قد أُهجلنا هو التعامل مع السائقين، وهي طبقة من البشر أغرقنا بها البلد، ليس لديهم أي تعليم أو مهارة ولا حتى سلوكيات حضارية، أغلبهم تعلم القيادة من التدريب داخل البلد، والله أعلم كم إنسان ذهب ضحية جهلهم بالقيادة. فالتعامل مع السائق الذي تصل تكاليفه في المجمل إلى 30% من راتب الأم العاملة، والمحاولات المستمرة لمداراته، وتحمل قلة ذوقه وطلباته غير المنتهية، حتى لا يغضب ويترك العمل، وتشكيل جدول الخروج للأبناء وطلبات المنزل حسب مزاجه، ومراقبته المستمرة خوفا منه على الأطفال أو خوفا من حدوث أي اتصال بينه وبين الخادمة، ثم قضاء يوم الجمعة دون الأمل في التنزه مع الأطفال، فيذهب هو ويرفه عن نفسه، وتبقى هي وسيارتها في المنزل؛ كل هذه الظروف تحيلنا إلى الشعور الناتج من (هجولتنا).
وإذا لم تستطع المرأة توفير سائق خاص، وهذا حال شريحة كبيرة من المجتمع، فيعني أن تتفق مع سائق بالمشوار، وهؤلاء يصل عدد زبوناتهم 7 نساء، تدفع الواحدة في المتوسط 800 ريال أي أكثر من خمسة آلاف ريال يحولها لبلده بعملته المحلية، فتصبح ثروة يأخذها من دخل الأسر السعودية. وبالمناسبة هذا دخل خرافي مقارنة بمهاراته، حيث المهارات هي المعيار الأساسي لمستوى الرواتب الممنوحة في العالم، لذا فهذه العمالة تبني مستقبلها ومستقبل بلدها على حساب اقتصادنا.
أما إذا لجأت المرأة لسيارات الأجرة العامة، فناهيك عن الروائح المقرفة داخل السيارة، وناهيك عن الأشكال المفزعة للكثر من السائقين؛ فإن قضاء مشوارين في اليوم كالذهاب والعودة للعمل ومشوار للسوبرماركت يكلف تقريبا60 ريالا، أي بصورة تقريبية 1500 ريال شهريا. كل هذه الحسابات تسمى جوهر الهجولة.
وهذا الوضع المتهجول إن صح التعبير انعكس حتى على عادات الترفيه لدى المرأة، فبينما تمارس النساء في العالم ظاهرة التجمعات حول القهوة للثرثرة عن موضوعات محببة مثل صيحات التجميل وشقاوة الأطفال وسلوكيات الرجال؛ تتفرد المرأة السعودية بموضوع لا يوجد عند غيرها وهو السائق، فإذا فتح هذا الموضوع فلن يغلق قبل أن يقضي على نصف وقت الجلسة، وتتناوب النساء على سرد معاناتهن. فهذه صدم بسيارتها وكلفها مبلغا وقدره.. وهجولها بين الورش. وتلك اكتشفت أنه ينقل ركابا بسيارتها، وواحدة أقام علاقة مع الخادمة، وتلك التي تعاني من رائحته المؤلمة ومن مقاومته لمفهوم النظافة. مع هذه المعاناة التي تشعرنا بأن المجتمع بالفعل أهجلنا، تذكرت ما تم تلقينه لنا في الصغرالمرأة هي الجوهرة المصونة والدرة المكنونة فإذا كانت هذه طريقة التعامل مع الجواهر.. فالرجاء عاملونا كحصى في الشارع.