في كثير من المجتمعات الشرقية يقضي كبار السن بقية حياتهم في تربية أطفالهم الصغار؛ لأنهم يتزوجون مرات عديدة بعدما تتقدم بهم السن، أما كبار السن في المجتمعات الغربية فيستمتعون بأوقاتهم بعد التقاعد

وصلتني رسالة بالبريد الإلكتروني تفيد بأن رجلا صينيا اسمه لي يونج قدم تعبيرا رمزيا للإنسان الشرقي، والإنسان الغربي في عدد من الجوانب الحياتية بشكل دقيق عندما كان في ألمانيا، وعندما اطلعت على هذه الأشكال الرمزية وجدتها تعبر بدرجة عالية عن الواقع الذي تعيشه هذه المجتمعات في جوانب عديدة، ففي مجال إعطاء الرأي توضح هذه الأشكال الرمزية أن الشخص الشرقي لا يعطي رأيه بشكل مباشر بل يتعمد التهرب، والمراوغة بطرق ملتوية، في حين أن الغربي يقدم رأيه بطريقة مباشرة، وبدون تردد، وبصراحة. أما في مجال أسلوب الحياة فهناك ميزة للمجتمع الشرقي توضح أنه مجتمع يعمل ضمن فريق، ولديه تكاتف اجتماعي، وهو مجتمع اجتماعي بطبعه، في حين يعمل الرجل الغربي وحده في أغلب الأوقات بعيدا عن العمل الجماعي، وهذا ينعكس على التواصل، فلدى الإنسان الشرقي شبكة معقدة من التواصل، أما الإنسان الغربي فتواصله الاجتماعي محدود، أو معدوم، وكذلك أصدقاؤه معدودون. وعند الحديث عن الدقة في المواعيد، واحترام الوقت فيبدو أن الوقت في المجتمع الشرقي لا يمثل هاجسا كبيرا، أما في المجتمع الغربي فالوقت مهم، بل يُحترم، وتتم المحافظة عليه، ولذلك كثيرا ما نردد مواعيد خواجة. وفي حالة غضب شخص من آخر في المجتمع الشرقي يكون أحد الأطراف مسرورا؛ لأنه أغضب الآخر، ولا يحاول محاورته، بل يعمد إلى جعله أكثر غضبا، وقد يتحداه، أما الشخص الغربي فينزعج كثيرا عندما يغضب منه أحد، ويحاسب نفسه، ويبدأ في الحوار، والنقاش المقبول. ومن السهولة التمييز بين الإنسان الشرقي، والغربي فيما يتعلق بالالتزام بالنظام، خاصة في طوابير الانتظار، فنجد أن الشرقي لا يلتزم بالنظام خاصة الالتزام بالدور، بينما ينتظر الغربي دوره لساعات بدون تضجر؛ لأنه يدرك أن دوره، أو الوقت المخصص له محفوظ. أما مستوى الإزعاج في الأماكن العامة والمطاعم في المجتمعات الشرقية فحدث ولا حرج، فقد يصل إلى مستو عال من التلوث الضوضائي، أو الإزعاج الذي يحدثه الأفراد، وأسرهم، أو الموسيقى التي يعج بها كثير من المطاعم، والأماكن العامة، أما الأماكن العامة والمطاعم في الغرب فتتصف بالهدوء عند تواجد الأفراد بها. والمسافر أو السائح الشرقي يركز في رحلاته على التصوير بشكل كبير، يصور كل ما يواجهه، وبعد عودته ينسى كل ما صوره، أو يدخل ضمن محفوظات الأدراج، ولا يستمتع بمشاهدة وملاحظة ما سافر من أجله بشكل مباشر، على عكس السائح الغربي الذي يركز على رؤية الأشياء مباشرة، ويقوم بتصوير ما يراه مهما، ومناسبا، وما يمكن الاستفادة منه مستقبلا في عمله، أو مذكراته، أو مؤلفاته. وفي مجال التعامل مع المشكلات التي قد تواجه الشرقي نجد أنه لا يتعامل معها مباشرة، بل يدور حولها، ولا يركز على الأسباب الرئيسة، بل قد ينظر إلى المسببات غير الأساسية، ويقدم حلولا مؤقتة، أو حلولا عاجلة كنتيجة لردة فعل ما، أما الغربي فقد يتعامل مع المشكلة بشكل مباشر، ومن كافة جوانبها، ويتم حلها بشكل كامل. وفيما يتعلق بالعادات الغذائية في المجتمعات الشرقية فتركز في الغالب على الوجبات الساخنة، والدسمة بمعدل ثلاث وجبات يوميا، في حين أن الغربي لديه وجبة رئيسة ساخنة في الغالب، ووجبتان باردة، وخفيفة، والعشاء هو الوجبة الرئيسة.
وفي كثير من المجتمعات الشرقية يقضي كبار السن بقية حياتهم في تربية أطفالهم الصغار؛ لأنهم يتزوجون مرات عديدة بعدما تتقدم بهم السن، ولا يستمتعون بما بقي من أعمارهم، أما كبار السن في المجتمعات الغربية فيستمتعون بأوقاتهم بعد التقاعد، وكثير منهم ينتقل إلى الأماكن السياحية ويستقر بها هو وزوجته، ويقضي ما بقي من عمره في هذه الأماكن بعيدا عن الجري وراء الدنيا، ويقوم برحلات، ويسافر إلى البلدان التي يرغب في زيارتها بناء على تخطيط مسبق منذ سنوات طويلة. وفي مجال الإدارة عندما يكلف الفرد في المجتمعات الشرقية بالعمل الإداري يرى أنه أكبر بكثير من بقية العاملين معه في العديد من الجوانب، وأنه الوحيد الذي يعرف كل شيء، وغيره غير متمكن، ويأخذه جنون الكرسي، أو هوس المنصب، وهو لا يدرك أنها لو دامت لغيره لما وصلت إليه. أما الإداري في المجتمع الغربي فيتمتع بشخصية متواضعة في الغالب، ومتمكن من مجاله، ويتعامل مع أفراد إدارته وكأنه واحد منهم، ولا يرى أن هناك فروقا بينهم وبينه، وهناك الكثير من الجوانب التي لا يتسع المجال لذكرها للمساحة المحددة للمقال.
وأرى أن كثيرا من هذه الاختلافات التي أوردتها في بعض الجوانب الحياتية قد تعود في الغالب إلى طبيعة هذه المجتمعات، وعاداتها، وتقاليدها، وأنماط الحياة فيها، والأنظمة التربوية بها، والثقافات السائدة بها، وهذا يتطلب من المجتمعات الشرقية أن تعيد تقييم بعض تعاملاتها، وسلوكياتها الحياتية، والاستفادة من تصرفات، وسلوكيات، وتجارب الآخرين الناجحة والتي لا تتعارض مع ثوابتها.