يسفر الانشغال الدائم بالحياة عن حالة من الملل والضيق، وغالبا ما يظهر ذلك في حياة الإنسان من خلال بعض المؤشرات والمظاهر، فمنها تغير حالته المزاجية من راحة البال إلى استياء وتضجر أو تغير في المشاعر يصل إلى الكآبة والحزن، أو تظهر سلوكيات وأفعال أكثر وضوحا كسرعة الغضب والانفعال، وهذا طبيعي في حق حياة وصف الله طبيعتها بالكبد والمعاناة كما قال تعالى (ولقد خلقنا الإنسان في كبد). وجود الملل والضيق ليس أمرا طبيعيا فحسب، بل يدل على أن ذلك الإنسان يعمل ويثابر وينجز، لكنه بدأ بالوصول إلى (الاحتراق النفسي)، وهذا فيه تهديد لصحته وحياته ونفسيته، حيث ينقسم الأشخاص في التعامل مع تلك الحالة إلى: شخص ينفجر ويهدم كل ما بناه من مجد ونجاح وتميز في العمل والأسرة والعلاقات إذا وصل إلى تلك النقطة، شخص آخر يواصل الركض دون توقف أو استرخاء، فيبني تارة نجاحا ويهدمه مرة أخرى لعدم وجود التوازن، شخص ثالث يتوقف ويبحث عن أكسجين مناسب يمده بالطاقة والانشراح. النجاح الخارجي الذي يظهر على الإنسان هو نتيجة وثمرة نجاح داخلي، وهو أن الإنسان لديه المهارة والآلية لقيادة ذاته وإخراجها من أي شعور سلبي، فهو يستخدم الأكسجين الذين يناسبه وينجح معه ويرتاح إليه، ويستطيع بعد أن يستنشقه أن يزاول مهامه وأعماله بنشاط وحيوية، وهذه مجموعة من النصائح التي قدمها خالد المنيف في كتابه المرحلة الملكية تحت عنوان (حتى لا تصاب بالاحتراق النفسي)، حيث يقول: غيّر أسلوب حياتك قبل أن تغرق، اجعل لك جزءاً يوميا لممارسة الرياضة، اجعل لك وقت فراغ دون أي أنشطة، احترم الإجازات بالابتعاد عن أجواء العمل، تأكد أن الصحة هي من يعطي للحياة قيمة فحافظ عليها. اعرف مجموعة أشخاص لكل واحد منهم (أكسجين حياة معين) يستخدمه نهاية كل أسبوع: منهم من يستمتع بدعوة نفسه إلى شرب كوب قهوة مع قطعة كعكة أسبوعيا في أحد الكوفيات أو المقاهي، كما أعرف شخصا آخر مكافحا استطاع أن يكمل دراسته من المرحلة المتوسطة إلى المرحلة الجامعية، وتحول من موظف يدفع العربات المحملة بالبضائع إلى مدير عام في نفس الشركة، والآن أمتع هواياته لحظة تجوله على دباب يستمتع بقيادته ضمن قروبات شبابية. وآخر لا يجد متعة نهاية الأسبوع إلا من خلال غوصه وسباحته في الهافون، وآخر يجد متعته في كتابة مقاله الأسبوعي. يقول ويلفيرد بيترسون في كتابه (فن الحياة) الذي نقلته إلى العربية هدى حمدان: «على الإنسان أن يتعلم كيف يكسر توتر الحياة، وإلا فإن التوتر سيكسره». وهذا يعني أن نبدأ من الآن بسؤال أنفسنا: ما أكسجين حياتي؟.