من المرات النادرة في حياتي التي أقوم فيها بزيارة معرض وأشعر بعدم الرضا التام أنى زرته!، عادة تطلع بفائدة أو بمعلومة أو بخبرة، خصوصا إذا كان المعرض علمياً أو تعليمياً، لكن من هول المفاجأة أحسست بشعور غريب للزيارة!.

زرت المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي أقيم في الرياض قبل أسابيع، وربما رفعت من سقف توقعاتي لكثير من الجامعات الحكومية السعودية.. نحن نعرف جيدا التدهور الحاصل في مستوى الجامعات الحكومية من ناحية الأداء والمستوى، وذلك نتيجة قلة كفاءة كثير من مسؤوليها ومديريها والتصاقهم بالكرسي لسنوات، لكن لم أتوقع أن يصل السوء إلى هذه الدرجة!.

إن المستهدف الأول من هذا المؤتمر والمعرض هو الطالب سواء الجامعي أو طالب الدراسات العليا، فوجدت أن كثيراً من الجامعات الحكومية من خلال أجنحتها تنظر للطلاب بفوقية غير مستساغة.. عادة أقدم نفسي لأي جناح أقول طالب علم بدون ألقاب، وأعتقد شخصيا أن الشخص مهما وصل من مراتب في الأستاذية فهو يبقى طالب علم إلى آخر يوم في حياته، لكن يبدو أنهم فهموها أنه (طالب)، وهذا شيء جيد أعطاني فكرة عن كيفية معاملة الطلاب المساكين في الجامعات الحكومية، فتجد الرد الجاف من مسؤولي أجنحة الجامعات الحكومية، فهذا الذي «ما وده يقوم من مكانه» لكي يجيب عن استفساراتك، وهذا الذي «ما له خلق» ويقول لك اقرأ الكتيب ويكلمك من بعيد، وهذا الذي «ما له نفس تمر من جنبه» والغريب في الموضوع أن سؤالا واحدا بسيطا طرحته على مسؤولي كثير من الجامعات الحكومية لم يستطع الإجابة عليه إلا اثنان!، وهذا يدل على عدم الإلمام، وللأسف ضحالة الفكر عند بعض المسؤولين في أجنحة الجامعات الحكومية.

يعتقد بعض مسؤولي الجامعات الحكومية أن قبولهم الطالب هو منّة وفضل منهم للأسف، لذلك تجده ينظر بفوقية وكأنه هو من يدفع له مصاريفه، يا عزيزي الهدف الأساسي لإنشاء الجامعات في العالم هو الطالب وتعليمه، وليس توظيف أمثالك، الطالب أولوية والأهم، وجميعنا كأكاديميين نعمل للطالب.. للأسف عقلية الموظف الحكومي متغلغلة في كثير من مسؤولي الجامعات الذين قابلتهم، ما دام ضامنا وظيفته وراتبه آخر الشهر فإنه ينسى الهدف الأساسي من توظيفه وهو خدمة الطالب في المقام الأول.

بالمقابل تجد مندوبي ومسؤولي الجامعات العالمية في المعرض هم من ينادون عليك ويشرحون لك بكل حماس ويريدون استقطابك..المهمة والهدف واضحين لديهم وهو الطالب، وللمعلومية بعض هذه الجامعات العالمية مركزها في الترتيب العالمي يسبق بعض جامعاتنا الحكومية بمئات بل آلاف المراتب في سلم تصنيف الجامعات العالمي، ومع ذلك تجد الحماس في الشرح وإجابة أسئلة الطلاب من مسؤولي الجامعات الدولية، ولكن بعض ربعنا في الجامعات الحكومية جالس بوضعية «زين منا إن نقبلكم!».

ما رأيته شيء مخجل وأسلوب سيئ في التعامل، مع أنني زرت كثيراً من أجنحة الجامعات الحكومية وليس كلها، وربما الاستثناء الوحيد كان مسؤولو الجامعة الإسلامية في المدينة، فقد كانوا راقين في التعامل، أما كثير ممن قابلت، وخصوصا بعض الجامعات الحكومية الكبرى فأسلوبهم وطريقتهم ومستوى الفكر عندهم لا يؤهلهم لتمثيل جناح مدرسة ابتدائي!، «ما اعرف مرسلين هم بواسطة؟!»، لدرجة أنك تتصور أن إدارة بعض الجامعات ترسل هؤلاء الممثلين لها في المعرض لتطفيش الطلاب، ربما لا يريدون زيادة طلاب!.. سابقا تكلمت بأنني لا آمل ولا أعتقد بصحة إعطاء الجامعات الحكومية السعودية مزيداً من الاستقلالية من وزارة التعليم، لكن بعد الذي شاهدته أصبحت على يقين بأن مثل هذه النوعيات لا تستحق أي نوع من الاستقلالية بل ربما تعاملهم كمدرسة، ولا يقول لي أحد أن هؤلاء مجرد موظفين صغار، بل هم يمثلون إدارات جامعاتهم وفكرها، وهذا يدل على ضعف جودة إدارة ومؤهلات إداريي ومديري بعض الجامعات الحكومية.

أسوأ ما في الموضوع أن البعض يرفع شعار الرؤية العزيز، وهو أبعد ما يكون عنها.. رجاء حاراً ألا يتم استخدام شعار الرؤية الذي له معزة خاصة لدينا، وكتبنا عنها عشرات المرات من أناس أفعالهم وأفكارهم أبعد ما تكون عن الرؤية، قلتها وأكررها الرؤية فكر وأقوال وأفعال وليست فقط شعارا.

لو كان لي من الأمر شيئاً لأحلت كثيراً من ممثلي بعض أجنحة الجامعات السعودية للتحقيق بسبب الإساءة لصورة الجامعة، وربما تتحرك وزارة التعليم وتنبه الجامعات السعودية بألا تعيد هذه الوجوه.

صراحة بدأت أخاف على مستقبل التعليم العالي الحكومي في الوطن لعلمي السابق بمستوى بعض جامعاتنا وأدائها رغم الميزانيات، وجاء هذا المؤتمر ليزيد الطن بلة.

الشيء الجيد المضيء في المعرض هو الجامعات الأهلية السعودية.. هل تتصور أخي القارئ أن كليات ناشئة مثل كليات سليمان الراجحي الأهلية في البكيرية حصلت على المركز الأول على مستوى المملكة في امتحان الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، متفوقة على جامعات عريقة عمرها عقود، رغم أن ميزانيات الجامعات الحكومية عشرات أضعاف الكليات والجامعات الأهلية..هل سألت وزارة التعليم نفسها ما الذي يحدث؟، جامعات أهلية منذ بضع سنوات تتقدم على أعرق الجامعات الحكومية السعودية؟!.

لقد وجدت فكرا في بعض الجامعات والكليات الأهلية الصغيرة والناشئة أفضل بمراحل من إجابات جامعات حكومية مترهلة من حجم الميزانية.. مثال بسيط، كليات عنيزة رغم صغر حجمها وسنها لكن على الأقل هناك فكر ورؤية تطويرية وممثلين جيدين يمثلونها، إلى آخر الجامعات الأهلية مثل جامعة الفيصل وغيرها.

ألا تسال وزارة التعليم نفسها، هل هذا ما نتمناه من الجامعات الحكومية في الرؤية الطموحة عالية الهمة لولي العهد التي ستنقل المملكة للمستقبل؟.

إن هذه الرؤية أمانة وأمل ومستقبل لكل السعوديين، ولا يتحجج البعض بالجامعات الناشئة والميزانيات، فهذه الجامعات الأهلية ضربت مثالا لا يقبل الشك على الكفاءة، دعونا نكن صريحين، هناك مشكلة في بعض إدارات الجامعات الحكومية ومؤهلات مسؤوليها.. نحتاج جيلا جديدا ودماء جديدة.