الأتراك والفرس وجهان لعملة واحدة في الذهنية العربية، فكلاهما يحملان مشروعا توسعيا في أعماق الجغرافيا العربية، ويترسخان فكريا على ثقافة العقدة التاريخية تجاه العرب وثقافتهم، التي تتجمل بأبجدية القرآن الكريم

وتتزين بتاريخية النبوة، وتتفاخر بمركزية الدين الإسلامي، وهذا ما يفتقده الفرس والأتراك، وتتشكل خلاله عقدتهم التاريخية مع العنصر العربي وهويته التاريخية!.

إن المتأمل لجغرافيا العرب التي أنهكها الاحتلال التركي قديما، كجزيرة العرب مثلاً، نجدها خالية الوفاض من بقايا حضارة أو مآثر مدنية لذكرى الأتراك في بلادنا، سوى بعض الحكايا والروايات التي يتناقلها الأجداد عن ظلمهم للإنسان العربي، وحرصهم على تغييب وطمس الهوية العربية، إضافة إلى إشعال الفتنة والحروب بين القبائل العربية حتى تظل لهم الغلبة في الأمر، وما مناوراتهم اليوم وتسييسهم قضايا وشؤون العرب الداخلية، سوى تجديد رغبتهم في عودة الاحتلال!.

ما تزال جريمة القائد التركي فخري باشا منقوشة في الذاكرة العربية بصورة مأساوية، فيما اقترفه من مآس فظيعة في حق أهالي المدينة المنورة عام 1916م، عندما نهب هذا اللص أموالهم وخطف رجالهم وأرسلهم إلى الشام وإسطنبول، في رحلة اشتهرت في كتب التاريخ بـ«سفر برلك»، وبعدها تم نهب الحجرة النبوية الشريفة، وغالب المخطوطات التاريخية من المكتبة المحمودية، وأرسلوها إلى متاحفهم في أنقرة وإسطنبول، والتي تتبجح اليوم بحيازة التاريخ العربي المنهوب!.

واليوم، وبعد انتهاء الحقبة البشيرية في الخرطوم، السودانيون يلغون اتفاقياتهم مع الأتراك حول جزيرة سواكن في البحر الأحمر، وبهذا يكتمل تأمين الحوض البحري من فرص الاستغلال بكل أنواعه، سواء من العنصر الفارسي أو التركي، وهذا يعد نجاحا باهرا للدبلوماسية العربية بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي نجحت في صد كل محاولات الاختراق الأجنبي لجغرافيا العرب.

كما لا بد من الإشارة إلى الإعلام الإخواني الذي ما يزال يلمّع الأتراك وتاريخهم في المنطقة، بل ويتغاضى عن جرائمهم ومكائدهم في حق العرب وهويتهم التاريخية، بل ويختزل أدواته الإعلامية وأذرعه الحزبية في العواصم العربية، كقوة ناعمة ترويجية لأحلام الترك ومخططاتهم في المنطقة، ولعل شبكة قناة الجزيرة ومنصاتها الإعلامية في الدوحة قد اقترفت آثاما جسيمة في حق عروبتها وهويتها التاريخية، عندما اصطفّت صاغرة ضد أشقائها الخليجيين والعرب، وروّجت لأوهام الترك في المنطقة، وها هي اليوم تخسر رهانها في المنطقة، وتفشل في تحقيق مآربها.