لن تنسى أم عبدالله ذلك اليوم، عندما امتنع عن الذهاب لمزرعة جده مع أبناء العائلة خوفا من أن يتعرض لاختبار يكشف قدراته المهزوزة في القراءة.. كان عبدالله يتوق إلى الذهاب للمزرعة بصحبة أقرانه، لكن خوفه من تكرار ذلك المشهد ما زال يؤرقه، فقبل فترة قصيرة قرر الجد عقد مسابقة بين الأطفال في القراءة، وتسابق الجميع لإظهار مواهبهم في سرعة التقاط الكلمات.. بينما توارى عبدالله خلف شجيرات «النفل» يواري دموعه وخيبته.

عبدالله الذي اجتاز الصف الأول بأعجوبة، اضطر للبقاء للإعادة في الصف الثاني، وانتقل بصعوبة للصف الثالث لكن معاناته في القراءة ظلت مستمرة..

كان هذا قبل ثلاثة أشهر، أما الآن فقد أصبحت تلك الأيام الصعبة الموحشة مجرد ذكرى..

فقبل أيام كان عبدالله يقف على المنبر يتلو كلمته بكل ثقة وثبات نيابة عن زملائه أمام جمع من مشرفي وزارة التعليم والمسؤولين في مدينة رفحاء، ليحدثهم عن تجربته المثيرة والثرية، التي نقلته من طالب يشعر بالفشل ويعاني من الضياع، إلى متحدث بارع يصدح بالعبارات والكلمات كطائر غرّيد يحكي للصباح حكاياته الفاتنة، ويشرح لجموع الحاضرين كيف انتقل من الاختباء خلف أغصان «النفل» هربا من القراءة.. إلى خطيب مفوّه يواجه الجموع بثبات وحماس.

انتهت معاناة عبدالله بعد ذلك الاتصال الذي أجرته المدرسة مع الأسرة، حيث تم اختياره ضمن خمسة وستين طالبا للانضمام لمبادرة «مستقبلي قراءتي»، التي أسسها مجموعة من المعلمين السعوديين المتطوعين في مدينة رفحاء لمساعدة الطلاب المتعثرين في مهارات القراءة من الصف الثالث وحتى السادس.

ما إن تحين الساعة الثالثة عصرا أيام الإثنين والثلاثاء من كل أسبوع، حتى ترى عبدالله قد أخذ مكانه بين زملائه في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم برفحاء، التي احتضنت هذه المبادرة التربوية التعليمية التطوعية الإنسانية الفريدة.

لم يكن الأمر سهلا، ولم تمض اللحظات ـ فضلا عن الدقائق والساعات ـ دون أن تمتص من كل معلم كثيرا من الجهد المضني والتعب.. والمحاولة مع الطلاب المرة بعد المرة.

كانت المبادرة تحديا هائلا للمعلم والمتعلم على حد سواء.. وكل صعوبة كان يواجهها أحدهما أو كليهما.. بمثابة معركة يجب الانتصار فيها مهما كان الثمن من العناء والصبر.

في الحفل الختامي، وعلى بعد أمتار قليلة وقف اثنا عشر فارسا مع مشرفهم يرون ثمرة معاركهم التي خاضوها بكل ثبات وتضحية وشجاعة، حاملين مشعل الحلم والعلم، وقد امتلأت أرواحهم بالألق، وشعت منها أنوار الرضى والغبطة، فيما وقفت رفحاء على أقدامها، رافعة هامتها فخرا وتيها بهؤلاء الشباب ـ الذين أعطوا الجميع دروسا قيمة في العطاء والبذل ـ.. وطلابهم النجباء ـ الذين ردوا التحية بأحسن منها لمعلميهم ـ وقفت مزهوةً.. وهي تردد في وقار:

يا موطني..

موطني عشت فخر المسلمين.