عظمة شهر رمضان في مكة المكرمة لا تضاهيها عظمة في أي بقعة من بقاع الأرض، وعن ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «من أدرك شهر رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر، كتب الله له مئة ألف شهر رمضان فيما سواه، وكتب له بكل يوم عتق رقبة، وكل يومٍ حُملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة، وفي كل ليلة حسنة».

المكيّون لهم مع رمضان طقوس جميلة، رصدها السابقون في كتبهم المطبوعة، ومن هؤلاء الرحّالة ابن جبير، الذي استوقفته مشاهد رمضانية مكيّة دوّنها في رحلته؛ ومن ذلك الحركة المميزة التي شاهدها في المسجد الحرام، من تجديد الحصر، وتكثير المشاعل، وتوزيع الأئمة لإقامة التراويح، وذكر أن الشموع والقناديل تُضاء، وتُدق الدبادب إيذانا بدخول الشهر، وتُضرب الفرقعات عند الفراغ من أذانَيْ صلاتي المغرب والعشاء، وتضرب الفرقعات للسحور، وتوضع على المآذن قناديل تطفأ إذا حان وقت الإمساك، ويجتمع الناس لأداء التراويح في جماعات مختلفة. ويصف الاستعدادات لختم القرآن في رمضان، وأنها تبدأ قبل يومين، وتنتشر المشاعل والشموع في أرجاء الحرم، ويذكر الرحالة ابن بطوطة «أن الاحتفالات تبتدئ في المسجد الحرام، من تجديد الحصر، وتكثير الشمع والمشاعل، حتى يتلألأ الحرم نورا، ويسطع بهجة وإشراقا»

المستشرق الهولندي سنوك هرخونيه، تعد كتاباته عن مكة، ورمضان مكة من أمتع ما دوّنه الرّحالون، ومن ذلك وصفه لحظات الإفطار في المسجد الحرام، إذ يقول: «إن جميع القادمين إلى المسجد قد أخذوا أماكنهم في انتظار لحظة الإفطار، وذلك حين يصعد الريس -المؤذن- إلى الطابق العلوي الذي يحيط ببئر زمزم، ويلوح بعلم إلى القلعة التي ينتظر فيها بعض الجنود لإطلاق المدفع، إيذانا بالإفطار. وتسمع أصوات شرب الماء من الدوارق الخاصة، وكذلك قرقعة صحون الطعام وما إليها، وفي هذه الأثناء يرتفع الآذان من على المنارات السبع الموجودة في المسجد، يؤدي بعدها الناس صلاة المغرب».

البعض يشعر بالحسرة على بعض العادات التي اندثرت، ونسمع من يقول: إن روحانية شهر الصيام ضاعت وسط الحياة المعاصرة، والحقيقة إن إطلاق هذا الكلام فيه شيء من عدم الدقة، فالعادات القديمة رائعة والحرص عليها مطلوب، لكن القول إن الروحانية حصر عليها يعني أن الإنسان قد حبس نفسه في قالبه الخاص، وانضم لفريق الرافضين للواقع، وغير القابلين للمستجدات.