يصف الكاتب محمد محمد فاروق المصري في كتابه «شق تمرة»، الصادر عن دار مدارك، الدواء لمعالجة مشكلة الإنفاق وتحولنا إلى مجتمع استهلاكي بدرجة رفيعة، فبعد أن شخص الداء، يسعى إلى البحث عن الدواء، مقدماً نصائح ثمينة للقارئ، فيقول «ابحث عن أفضل الطرق التي تحافظ فيها على الثروة التي بين يديك، والثروة هي كل شيء له قيمة، سواء قيمة معنوية كالعاطفة والتفكير، أو مادية كالمال والماء. ابذل جهدك كي تتجنب كل العادات والممارسات التي قد تتسبب في ضياع ذرة من ثروة يمكن أن نستفيد منها. لا تمتنع عن الإنفاق، ولكن اعط لنفسك الوقت الكافي للتفكير، وليكن إنفاقك مدروساً ووظيفياً. حاول أن تجعل من الأمر ثقافة تمارسها في حياتك اليومية؛ لأن سلوكنا إذا ارتبط بمفهوم «شق تمرة» فإنه سينقلنا إلى نعيم دنيوي وأخروي في آن واحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «فاتقوا النار ولو بشق تمرة»، ولنتذكر دوماً أن الهدف إذا كان يتحقق بنصف تمرة فلا داعي لاستهلاك النصف الآخر.

- الكتاب: شق تمرة

- الناشر: دار مدارك

- المؤلف: محمد محمد فاروق المصري

- التصنيف: تطوير ذات

- عدد الصفحات: 245

امتصاص عادة الهدر

المجتمعات تتفاوت في مدى تقبّلها أو رفضها للإهدار، وهذا يعتمد على الثقافة السائدة في المجتمع؛ وهنا يبرز التحدي الأصعب لمحاولة امتصاص الهدر، إذ إنه يحتاج إلى جهد كبير جداً، لا سيما في المجتمعات التالية:

- المجتمعات المنعزلة.

- المجتمعات التي يغيب فيها مفهوم صيانة الأدوات المعطلة أو ترميمها.

- المجتمعات التي يعتمد فيها النخبة على الإسراف والبذخ كأسلوب للحياة.

تغيير عادات المجتمع

التغيير سمة ملازمة للبشر، لذا إن لم يتم توجيه البشر نحو التغيير الإيجابي وطرح صور جيدة بديلة باستمرار حتى يتعلق بها اهتمامهم، فإن الإنسان قد يتغير نحو الأسوأ، فالتقدم والتطور ليسا صفتين ملازمتين للبشر.

يلخص لنا المختصون عوامل التغيير الاجتماعي بما يلي:

- الاكتشاف: وهو وعي بشيء قائم بالفعل، ولكن لم يسبق إدراكه من قبل، وحتى يؤدي الاكتشاف دوره في التغيير لا بد أن يتم استخدامه من قبل المجتمع.

- الاختراع: وهو الوصول إلى شيء لم يكن موجوداً من قبل.

- الانتشار: يطلق الانتشار على العمليات التي تنتج تماثلاً ثقافياً بين مجتمعات متباينة، حيث إن معظم التغيرات الثقافية تتطور من خلال الانتشار.

- الاتصال الثقافي: يتم هذا النوع عن طريق أفراد يلعبون دوراً في مجتمعاتهم، يقومون بالتواصل مع مجتمعات أخرى فينقلون ما شاهدوه. يمكننا أن نضيف على ما سبق إحياء مظاهر ثقافية كانت موجودة في نفس ثقافة المجتمع نفسه، لكنها مع الوقت اندثرت، فباعتقادي أن إحياء المظاهر الثقافية الإيجابية من أكثر العوامل فاعلية؛ لأنها ذات درجة عالية من الموثوقية والصدق، ذلك لأنها مظاهر ليست غريبة، بل هي نابعة من داخل المجتمع.

كل هذه العوامل سابقة الذكر تؤدي إلى حدوث التغيير الاجتماعي ضمن شروط، وفي الوقت الراهن إن معظم هذه العوامل لا يمكن إيقافها؛ إذ بات من العسير إيقاف التواصل بين المجتمعات، وكذلك من الأصعب إيقاف انتشار السمات الثقافية، إلا أنه على الرغم من ذلك لا يزال بإمكاننا التحكم في مخرجات هذه العوامل، بحيث نحصل على تغيير اجتماعي إيجابي.

لذلك ينبغي علينا التقاط السمات الثقافية المفيدة والإيجابية ومحاولة محاكاتها، بما يناسب واقعنا ومجتمعنا، من غير أن نقع فيما يسمى بعملية الاستعارة الثقافية.

من سيقوم بالتغيير؟

يحتاج التغيير الفعّال إلى أفكار رائدة، بالإضافة إلى جهود أفراد المجتمع بصورة عامة، واليوم وبما توفر لدينا من معلومات وحقائق ووعي وثقافة، فإنه من غير المنطقي أن ننتظر شخصاً مخلّصاً، الـمُخلّص اليوم صار كامناً في كتاب نقرؤه أو برنامج نشاهده بحيث يولد فينا الرغبة والقناعة والهمة الكافية للتغيير.

نعم هناك عدد من العقبات التي تظهر عندما يحاول الشخص البدء بالتغيير، ولعل من أهمها انتقاد الناس له وربما سخريتهم منه، لذلك قلنا بأن التغيير يحتاج إلى أبطال.

6 قواعد لمكافحة الهدر

- الأول: التحرر من أنماط الحياة

إن الخضوع لتعقيدات الحياة والاستسلام لبروتوكولات العيش أحد أهم أسباب التكلف الذي يشكل ضغطاً نفسياً ومالياً على كثيرين:

لا بد لك من شراء هاتف محمول، ولا بد من أن تشترك في باقة إنترنت مفتوحة حتى تبقى على تواصل، أما بخصوص الأزياء والموضة، فعليك أن تتابعها جيداً حتى لا يصفك الناس بأنك «هارب من العصور الوسطى»، ولا تنسَ أنه في نهاية العام عليك أن تختار فندقاً لائقاً لتمضي فيه إجازتك السنوية.

هذه بعض الأمثلة التي بالفعل أصبحت ترهق الإنسان مادياً وفكرياً، وصار يهدر ماله ووقته وجهده في أشياء يستطيع الاستغناء عنها لو فكر بطريقة بسيطة.

بدأت اليوم دعوات كثيرة للعودة إلى «الزمن البسيط»، في أوروبا اليوم بدأت بعض المقاهي تتبع نمطاً خاصاً وتلزم به زبائنها، فبدلاً من تشجيعهم على ارتياد المقهى بتعليق لافتات على نحو: «واي فاي مجاني»، فقد انعكست الآية، وصارت هذه المقاهي تدعو الناس للعودة إلى عصر التسعينيات، وأن يجلسوا ويتحدثوا سويا دون أن يربط كل واحد منهم عيونه بهاتفه المحمول، إنها محاولة لنشر ثقافة تخفف عبء بروتوكولات الحياة المعقدة.

يعتقد البعض أن نمط الحياة العصرية حاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء، وأعتقد أن هذه الفرضية غير صحيحة، ويكفي لنقضها أن نطالع حياة أشخاص تخلّو كلياً عن نمط الحياة المعاصر الذي يكبّلنا، سنأخذ مثالاً واقعياً يعيشه حوالي ربع مليون شخص في الولايات المتحدة الأميركية، يُعرفون بطائفة الأميش، فهم يقدمون نموذجاً للمجتمعات التي احتمت بنفسها ولم تتقبل ثقافة الاستهلاك، ولا حتى مخرجات عصر التكنولوجيا التي أصبح بعضنا يعيش عليها، وكأنها أجهزة تنفس اصطناعي لا يمكنه التخلي عنها إلا إن أراد الموت!.

تنظر هذه الطائفة إلى الحياة الأسرية والاجتماعية نظرة مقدّسة جداً، وتتقبّل التعاليم المشددة على هذا الأساس، فمع أن امتلاك الهاتف مسألة ممنوعة إلا أن رعايا الطائفة متفهّمون لهذه الفكرة، وتبدو البساطة وعدم التكلف هما الطابع العام لأنشطتهم، وعلى الرغم من أنهم يعيشون بصورة تبدو وكأنهم منعزلون عن العالم، إلا أن سلوكهم يُظهر العكس، فهم يشعرون بكل من حولهم؛ بالطبع لا تعيش هذه الطائفة حياة مثالية، وليسوا ملائكة يمشون على الأرض، بل ثمة قضايا كبيرة يناقشونها، وتشكل تحدياً كبيراً لهم لا سيما طريقة التعامل مع أفراد الطائفة الذين رفضوا الانقياد لهذه القيود ولحقوا بركب الحياة المعاصرة، إلا أنهم مع كل ذلك استطاعوا أن يعيشوا حياة قد ينقصها بعض التجهيزات، لكن لا ينقصها الألفة والتكاتف والبساطة.

- الثاني: تشجيع الغيرة على الفرص

تحدثنا عند عرض جذور ثقافة الهدر عن سلوك «إهمال الأشياء الصغيرة»، وذكرنا بأن البعض يحصر مفهوم «حفظ النعمة» بقضايا محدودة، مثل الطعام، في الواقع إن التساهل في نظرتنا إلى ما نفقده بحجة أنه صغير ولا قيمة له، يؤدي إلى ضياع كبير في الثروات، لا سيما لو قسنا ذلك على مدن بأكملها. انطلقت اليوم أفكار كثيرة تعتمد على مبدأ «إعادة التدوير»، وكتطبيق على هذه الغيرة انتشرت في العالم اليوم مئات البرامج والأفكار التي تعمل على مبدأ «إعادة التدوير»، لتشمل مختلف المواد التي نستعملها في حياتنا.

- الثالث: التفكير بحلول بسيطة

كثيراً ما ننفق الكثير للبحث عن ضيافة مناسبة وتليق بالزوار الذين سيطرقون بابنا بعد أيام. يسلك البعض طريقة تستهلك جزءاً كبيراً من تفكيره ووقته وجهده وماله، وهو يفكر ويسأل عن أفضل المحال، وأطيب الأكلات، لدرجة تتحول فيها الزيارة إلى عبء مادي ونفسي.. فهل هناك حل؟ إن من العادات الإيجابية التي بدأ البعض يتخلى عنها: تلك الأكلات البسيطة والتي يصنعها أهل البيت بأيديهم دون الحاجة إلى شراء ضيافة من المحال التي ربما تستخدم موادّ غير صحية أو غير نظيفة أو لا تراعي مسائل حماية البيئة. تتميّز بلاد الشام بنموذج فريد في ميدان صناعة الضيافة، وذلك بالاعتماد على أيدي أهل البيت أنفسهم، حيث تعتمد هذه الأكلات على الحليب والبقول بشكل أساسي، أما المشروبات فكانت أيضاً صناعة منزلية تعتمد على حفظ أنواع معينة من الفاكهة بشكل مركز، ثم تتم إضافة الماء إليها- عند الحاجة لتقديمها- لجعلها على شكل شراب بارد لا يحتوي على ملونات ولا مواد كيميائية، إلى جانب ذلك يقدم سكان بلاد الشام الفواكه الطازجة في مواسمها أو المجففة مثل التين والمشمش والزبيب. إن طريقة التفكير القائمة على إيجاد طرق بسيطة وبأقل تكلفة لا تُجدي فقط على الصعيد الشخصي أو الأسري، بل إنها تصنع فروقاً واضحة على مستوى المجتمعات والدول. إن التفكير ببساطة والابتعاد عن التكلف والتعقيدات ليس طريقاً لحل المشكلات الشخصية أو العائلية فحسب، بل هو حل لأكثر من ذلك بكثير، إنه حل يرقى إلى مستوى الدولة، بل وربما العالم، فالحلول ليست دائماً معقدة ومكلفة، بل ربما تكون بسيطة وبأقل التكاليف.

- الرابع: الاهتمام بالوظيفة

يزداد المجتمع الاستهلاكي شرهاً أيام المناسبات، ونظراً لكونه مجتمعاً استهلاكياً سيضطر إذن إلى الخيار الأسهل، وهو: الشراء حتى لو كان سيشتري شيئاً لا وظيفة له. نتيجة لذلك تتنوع صور الهدر والإسراف وتبديد الثروة بشكل لافت خلال ممارسة أفراد المجتمع الاستهلاكي للأنشطة الخاصة بالمناسبات كالألبسة والزينة والضيافة والتصوير وما إلى ذلك. فلو أردنا تغيير هذا الطابع والخروج من قوقعة الاستهلاك، فعلينا قبل كل شيء استبعاد خيار الشراء غير الوظيفي، من خلال إضافة خيارات أخرى مثل: الشغل المنزلي أو التصنيع اليدوي والحرفي أو إعادة التدوير، وفي حال كان لا بد من الشراء، فليكن شراؤنا يحقق وظيفة ما. بالطبع لا يمكننا فجأة أن نأتي ونقول لشخص مستهلك- وهو يريد استقبال ضيف ما: «حاول أن تكون شخصاً منتجاً، وفكر بطريقة تحتفل بها بضيفك غير الشراء!!»، علينا أن نقدّم البدائل الممكنة حتى تتغيّر الثقافة. لماذا لا نلجأ إلى ثقافة إذا اشتهيت شيئاً أو أعجبك شيئا اصنعه بنفسك.. بدلاً من ثقافة إذا اشتهيت شيئاً فاطلبه وادفع ثمنه؟ لماذا لا نزرع ثقافة قدم هدية من صناعتك بدلاً من ثقافة اشتر هدية؟!

- الخامس: الفكر التشاركي

يرغب كثيرون بالاستقلالية في كل شيء، بل ربما يشعرون بضيق صدر إن هم تشاركوا مع آخرين، ينزعج هؤلاء من ركوب الوسائل العامة، كما يضجرون من السكن مع مجموعة.

صحيح أن التشارك قد يقلّص المساحة الخاصة للفرد، ولكنه من ناحية أخرى يقلص الهدر الناجم عن طغيان المقتنيات الشخصية.

مثلاً عندما يختار أربعة أصدقاء ركوب سياراتهم الخاصة ليصلوا بها إلى زيارة صديق لهم، حتماً سيشعر كل واحد منهم أن ذلك يحفظ له خصوصيته بدءاً من اختيار الوقت الذي يخرج به، مروراً بنوع الموسيقى التي يسمعها من مسجل سيارته، انتهاءً بالطريق الذي سيسلكه كي يصل إلى وجهته.

ولكن بالمقابل، لو ركب هؤلاء الأربعة سيارة واحدة، فإنهم وإن فقدوا جزءاً من حريتهم، ولكن مشاركتهم هذه سيكون لها أثر كبير على مستوى التلوث والازدحام وشغل أماكن الوقوف، بالإضافة إلى أثرها الاجتماعي في تقريب الأشخاص من بعضهم، وتشارك الأحاديث خلال الطريق.

إحدى هذه الأفكار «الدراجة التشاركية» التي بدأت تنتشر في كثير من الدول المتقدمة.

فلقد أدى انتشار ظاهرة «الدراجة الهوائية الشخصية» ومرافقها- مثل المواقف والأقفال- إلى ظهور عدة مشاكل من أهمها:

- الخوف من السرقة.

- المشي لمسافات قد تكون طويلة للوصول إلى موقف الدراجة هذا في حال توفر مكان شاغر.

- الإزعاج المرافق لعملية البحث عن دراجتك بين مئات الدراجات.

لذلك بدأت تظهر أفكار كثيرة مبتكرة للحد قدر الإمكان من تلك السلبيات، تدور معظم تلك الأفكار حول مبدأ «المشاركة» بحيث تتم زيادة عدد المستفيدين من الدراجة الواحدة بدلاً من أن يكون لكل شخص دراجته الخاصة.

يساهم التفكير التشاركي في مجالات أوسع بكثير، وبات اليوم يؤثر في قطاعات هامة جداً، بحيث ينقلها من حيز الهدر وتبديد الثروة إلى حيز إدارة الإنفاق.