في سبعينيات القرن الماضي، أنتج الاتحاد السوفيتي مدرعات غير قابلة للاختراق من الذخيرة التقليدية، مما حدا بالأميركان للبحث عن مواد يمكنها اختراق هذا النوع من المدرعات، فقادتهم أبحاثهم إلى تطوير ذخيرة من اليورانيوم المنضب، ذي كثافة أعلى من الرصاص، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها ذخيرة مصنوعة من مادة مشعة.

يوجد اليورانيوم في الطبيعة بأكثر من نظير، والنظائر عبارة عن عناصر كيميائية تحتوي أنويتها على نفس عدد البروتونات وتختلف في عدد النيوترونات، بمعنى أن النظائر هي نفس العنصر الكيميائي ولكن بكتل مختلفة، 99 % من اليورانيوم في الطبيعة هو يورانيوم-238 والعدد 238 يمثل عدد البروتونات والنيوترونات داخل نواته، ولكن نواة هذا اليورانيوم غير قابلة للانشطار، بينما يشكل اليورانيوم-235 أقل من 1%، وهذا فقط الذي يمكنه الانشطار وتحرير طاقة هائلة تستخدم لقتل البشر كما في القنابل النووية أو لإمدادهم بالطاقة كالذي تفعله المفاعلات النووية.

ولكن اليورانيوم -235 بهذه النسبة الضئيلة لن يكون قادراً على القتل أو على إنتاج الطاقة، فلذلك تتم زيادة نسبته إلى 90% وأكثر في القنابل النووية و5% وأقل في الوقود النووي، وهذه العملية تعرف بالتخصيب، أي زيادة نسبة اليورانيوم-235 إلى اليورانيوم-238، ولها تقنيات مختلفة أشهرها عن طريق أجهزة الطرد المركزي، وفيها يستفاد من فرق الكتلة بينهما لفصلهما عن بعض، حيث إن اليورانيوم- 235 أخف، وعند تدويرهما بسرعة عالية، سيدور الأخف من المنتصف بينما الأثقل من الطرف، مثل حجرين ترميهما بنفس القوة، فالحجر الأخف سيسقط على مسافة أبعد من الأثقل.

وعند تخصيب كمية معينة، فأنت ببساطة تزيد من ذرات اليورانيوم-235، والكمية المتبقية لا بد أن تحتوي على نسبة أقل من اليورانيوم-235، ويسمى في هذه الحالة يورانيوم منضب، أي نضبت منه ذرات اليورانيوم- 235.

إن التنضيب نتيجة حتمية للتخصيب، فمن كل 12 كيلو يورانيوم طبيعي، سيكون لديك كيلو واحد مخصب بنسبة 5% و11 كيلو يورانيوم منضب، ولقد ساهم إنتاج السلاح النووي بكميات كبيرة في الولايات المتحدة في منتصف القرن الماضي في تكدس كميات هائلة من اليورانيوم المنضب وتخزينها كمخلفات، فهو متوفر ورخيص وكثافته عالية، واستغل عسكرياً، وأول استخدام له كذخيرة حية كان في حرب الخليج الأولى 1991، ثم في كوسوفو وفي حرب العراق 2003، وأخيراً في قصف داعش في سورية في أواخر 2015، حيث استخدمت أكثر من 5000 ذخيرة منه في تدمير آلياتهم حسب التصريحات الأميركية الرسمية.

لليورانيوم المنضب قوة كبيرة على اختراق الدروع، فعند اصطدامه بالهدف يتحول إلى أجزاء صغيرة حادة ومشتعلة، وينقل كل طاقته للمادة الهدف مما يؤدي إلى احتراقها واختراقها وتدميرها، حيث إن قوة الاصطدام تتسبب في اشتعال رصاصة اليورانيوم المنضب، وحرق المدرعة وتفجير وقودها وقتل طاقمها البشري. وبعد استخدامه في تدمير المدرعات يبقى اليورانيوم المنضب في البيئة المحيطة.

يعد اليورانيوم المنضب مادة سامة لكن أقل سمية من الزئبق والزرنيخ، ومشع ولكنه أقل إشعاعية من اليورانيوم الطبيعي، وهناك عدد من الدراسات تشير إلى وجود زيادة من العام 2001 في نسبة سرطان الدم والأمراض الجينية والعيوب الخلقية في الأطفال حديثي الولادة في البصرة، وبعض من هذه الدراسات رجح أن اليورانيوم المنضب المستخدم في حرب الخليج قد يكون السبب الرئيس وراءها. في حين أن دراسات أخرى خلُصت إلى عدم وجود علاقة بين الإصابة بالسرطان واليورانيوم المنضب المستخدم في حرب الخليج، وخاصة بين الجنود الأميركان فيما يعرف بمتلازمة حرب الخليج.

ولكن إن ثبت تسبب اليورانيوم المنضب في هذه الأمراض، فعلى من استخدمها دفع التكاليف من علاج للمرضى وتنظيف للبيئة التي لوثها، حيث إن آثاره في البيئة تمتد لفترات طويلة جداً، وإزالته من الأرض الملوثة مكلفة جداً، وتتطلب إزالة الطبقة السطحية للتربة الملوثة في حدود 20 سم، أما إزالته من الهواء والماء فهي أكثر صعوبة وتعقيداً.

وقد أثبتت الدراسات التي أجرتها لجنة الأمم المتحدة لحماية البيئة على المناطق المتضررة في صربيا وكوسوفو تلوث البيئة جراء استخدام اليورانيوم المنضب.

بجانب الاستخدام العسكري لليورانيوم المنضب استخدامات سلمية، فهو يستخدم كموازن ثقل في الطائرات، متل البوينج 747، حيث يوضع في ذيل الطائرة، وكموجِّه للأشعة في أجهزة العلاج الإشعاعي، كما يمكن أن يخلط مع اليورانيوم المخصب من القنابل النووية بعد تفكيكها - وهي إحدى طرق التخلص من الترسانات النووية - لاستخدامه كوقود للمفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء، وبالتالي ينخفض التخصيب إلى أقل من 5 %، فمن 500 طن عالي التخصيب في القنابل تم إنتاج 14000 طن منخفض التخصيب.

لا زال اليورانيوم المنضب مخزن بكميات كبيرة، وقد تكون له جوانب أخرى مفيدة غير عسكرية يمكن استغلاله فيها، والبحث العلمي هو الكفيل بمعرفة ذلك.

@SamiiHamad