قرأت في بعض الصحف تجاوزات كثيرة على الشريعة صدرت من كاتبة ليست متخصصة في الشريعة، ودراستها ومؤهلاتها في أقسام أخرى غير الشريعة، هذه الكاتبة كانت عضوة فيما يسمى حزب الإخوان ونظام قطر «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، ولم تتركه إلا بعد افتضاح هذا الكيان لعوام المسلمين بأنه كيان إرهابي.

وتجاوزاتها تدور حول أمرين اثنين:

الأول: تحريفها لما جاء في كتاب الله.

الثاني: طعنها فيما ثبت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد يقول قائل ما سبب هجومها على نصوص الشريعة؟ هل ذلك بسبب ما تعلمته من حزب الاتحاد العالمي الإرهابي في قطر، أم بسبب جهلها كونها غير متخصصة في الشريعة، أم لترضي بعض التوجهات؟

وأقول: لا أدري عن سبب ذلك، ولا يهمني ذلك، ولا أدخل في النوايا، يهمني الرد على تجاوزاتها وتلبيساتها.

1- فمن تجاوزاتها: إنكارها وجود التعصيب في كتاب الله؟

والجواب: أن التعصيب موجود في كتاب الله تعالى، قال تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا تعصيب في حق الابن، وقال تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) أي وللأب الباقي تعصيباً، وفي الابن (للذكر مثل حظ الأنثيين)، وفي الأخ الشقيق أو لأب قال الله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وهذا تعصيب.

حاولتُ أن أفهم لماذا تلجأ هذه الكاتبة الجريئة على أحكام الله، إلى نفي الآيات في وجود التعصيب، وإذا هي تزعم أنها تدافع عن المرأة، ولا تسمح أن يشاركها الرجل، وكأنها أرحم من الله بالمرأة، وما علمت أن المرأة في تسع حالات يكون نصيبها في قسمة المواريث أكثر من الرجل، وفي بعض الحالات ترث المرأة ولا يرث الرجل، لكن الكاتبة لا تدري، ولا تدري أنها لا تدري، ولذلك صارت تعبث بالنصوص وتُحرفها لتتوافق مع رغباتها.

2- ومن تجاوزاتها: تحريم زواج غير البالغة، ولما رأت أن الآية الكريمة (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) نص صريج في جواز زواج التي لم تحض لصغرها، لجأت إلى تحريف معنى الآية على عادتها، وأتت بتفسيرات من عندها، وخالفت إجماع أئمة المسلمين في ذلك، فقد قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب إنكاح الرجل ولده الصغار. لقوله تعالى: (وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ)، فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ، وقال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري في باب تزويج الصغار من الكبار: أجمع العلماء على أنه يجوز للآباء تزويج الصغار..)، وقال ابن المنذر (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء..)

وقال الإمام النووي (أجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة..).

3- ومن تجاوزاتها إنكار أحاديث متفق على صحتها، فقط لأنها لم تفهمها، وكان عليها أن تدرس الشريعة لتفهم، لا أن تلغي النصوص الشرعية، فقد قالت إن الحديث المتفق على صحته عند البخاري ومسلم وهو قوله عليه الصلاة والسلام (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله... الحديث) معارض للقرآن، فلا يُعمل به.

سبحان الله، ما أضر الجهل على نفسه، أما قرأت قوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، كيف تخالف أمر الرسول وتلغيه بمجرد جهلها وفهمها الفاسد، وظنها أن مدلول الحديث هو فعل داعش، وأن الغرب قد يفهمون وحشية الإسلام.

ونقول لها: أنتِ لم تفهمي الحديث، ولذلك توهمت أوهاما باطلة، أدت بك إلى إبطال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام أنك لم تدرسي الشريعة، فليس هذا شأنك، فاطلبي العلم، وإياك والعبث بالشريعة.

أما داعش فالذي يدعمها، قوى الشر وكياناتها، ومنها الاتحاد العالمي في قطر الذي كنتِ أحد أعضائه، وأما اتهامات بعض دول الغرب فلا نقبلها، لأنها لا دليل عليها، والواقع أنهم هم الذين آذوا المسلمين في بلادهم وأرهبوهم وقتلوا آلاف المسلمين بلا ذنب، وهم الذين وفروا المأوى للإرهابيين الذين يُحرِّضون على بلادنا، بينما ديننا الإسلامي، ومقرراتنا الدراسية الشرعية فيهما النهي عن الاعتداء، والنهي عن قتل كل نفس بغير حق، وفيهما الأمر بالإحسان إلى كل نفس بصرف النظر عن دينها، لحديث (في كل نفس رطبة أجر) فسَقْي الماء لكل نفس سواء أكانت نفس مسلم أو كافر أو حيوان فيه أجر، وفيهما الأمر كذلك بالإحسان إلى الكفار الذين لم يؤذوننا كما في قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، فهذا ما تضمنته مقرراتنا الدراسية الشرعية.

بينما بعض مقررات الكفار الدراسية تدعو للعنف والإرهاب ضد المسلمين، وفي هذا دراسات علمية تؤكد ذلك، ولكن كثيرا من الكتاب منهزمون، لا يتحدثون عن ذلك، وإنما يكررون اتهامات الكفار لمقرراتنا ومناهجنا الشرعية المباركة.

وأما الحديث الذي أوردته الكاتبة (أمرت أن أقاتل الناس..) فإننا نقول: لفظ (الناس) عام أُريد به الخاص، فالمسلمون: ناس، وليسوا مرادين في قوله «أقاتل الناس»، والكفار الذميون والمستأمنون والمعاهدون: ناس، وليسوا مرادين في الحديث قطعاً، لقوله عليه الصلاة والسلام (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)، فلم يتبق إلا الكافر الذي يحاربنا ويمنع من نشر دين الله بدليل قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).

وبهذا يتبين أن هذا الحديث متفق مع ما جاء في القرآن وما جاء في الأحاديث الأخرى، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.