مشكلتان بينهما رباط كبير تعاني منهما كثير من المجتمعات: (العنف الأسري) و(التنمر)، والأولى تتمثل في استخدام القوة المادية أو المعنوية في محيط الأسرة الواحدة، بغرض الهيمنة أو السيطرة، وهو سلوك عدواني مكتسب، يفرز كثيرا من الآثار السلبية والنفسية، من أبرزها التفكك الأسري، وتشتت الأسرة، والتأثير في تنشئة أفرادها على معاداة الآخرين، وحرمانهم من القدرة على الاستمتاع بالحياة، فضلا عن الوصول إلى ساحات القضاء، وما يتعلق بها من رفع للدعاوى. أما الثانية ـ التنمرـ فمنه الجسدي، ويشمل الضرب والسرقة والإتلاف، ومنه اللفظي، ويشمل التلفظ بألفاظ مهينة، أو المناداة بأسماء سيئة، أو السخرية، أو التهديد، وكل ذلك له أسبابه، وأبرزها الإدمان على السلوكيات العدوانية، واضطراب الشخصية، ونقص تقدير الذات، والاكتئاب، والأمراض النفسية، والاعتياد على الألعاب الإلكترونية العنيفة.

مقدمة مقالي أردت جعلها للتنويه عن شخصية فذة، رحلت عن دنيانا في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة الماضي، كانت لها بصمات واضحة في التطوع من أجل مكافحة ما قدمت ذكره، وأقصد بهذه الشخصية السيدة الدكتورة مها ابنة اللواء طبيب محمد ابن السيد محمد طاهر بن مسعود الدباغ، أول مدير عام للمعارف في المملكة، رحمهم الله، صاحبة الدور الكبير في تأسيس لجنة اجتماعية بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة، متخصصة في الحماية من العنف الأسري والتنمر، والتي تحولت لاحقا لمركز دائم يتعامل مع ملفات في غاية الحساسية، هو (مركز الحماية من العنف والإهمال الأسري).

الطبيبة الدباغ وكما يصفها زملاؤها وزميلاتها، رائدة بارزة من رائدات العمل الإنساني؛ فمع رئاستها لقسم الأطفال بالجمعية السعودية لارتفاع ضغط الشريان الرئوي، وعضويتها في الجمعيات العالمية المهتمة بأمراض الصدر، ومساهمتها في المؤتمرات العلمية المحلية والخارجية في مجالها الذي تخصصت وبرزت فيه منذ تخرجها من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1979، وصولا للزمالة من جامعة بريستول ببريطانيا عام 1997؛ كان الجانب الإنساني هو الأكثر وضوحا في حياتها، وهو الأكثر فقدا عند من عرف نبوغها العلمي والتطوعي، ومن تابع رحيلها، تابع في ذات الوقت حديث زملائها عنها، فكلهم على لسان واحد يذكرون تواضعها وحبها للحياة، وشخصيتها الراقية، وعدم صدور ما يؤذي مشاعر غيرها، ونشرها للبسمة، وتنبيهها الدائم لزملاء مهنتها والدارسين عليها بأن الرحمة مقدمة على كل القيم، وأن تعزيز الجوانب الإيجابية ضرورية عند الرغبة في معالجة أي جانب سلبي، إضافة إلى أن تقاعدها عن العمل الرسمي كاستشارية في طب صدر الأطفال بالمستشفى العسكري بجدة، لم يمنعها عن متابعة ما كانت سببا في تأسيسه.. رحم الله الدكتور مها، التي رحلت عن دنيانا فجأة في غمضة عين، بعد مسيرة حافلة، وسيرة حسنة، وعظم أجر ذويها ومحبيها، ووفق وأعان كل من توفرت عنده رغبة خدمة مجتمعه، بما يوفقه الله إليه.