تداولت وسائل الإعلام المختلفة نبأ وفاة الطفل معتز ذي الـ12 عاما في مدرسة ابتدائية غرب مدينة الرياض، إثر شجار حصل بينه وبين أحد الطلاب في الفسحة، والذي توفي على إثره الطالب نتيجة لعملية اختناق تعرض لها من أحدهم، وعليه قامت إدارة المدرسة بمسؤولياتها بمحاولة إسعاف الطفل بداية، ثم استدعاء الهلال الأحمر لنقله إلى المستشفى، حيث توفي الطالب وهو في طريقه إلى المستشفى، وقد وثقت كاميرات المدرسة تفاصيل الحادثة، وبادرت إدارة التعليم بتقديم واجب العزاء لأهل المتوفى مواساة لهم في مصابهم الأليم، وضرب والد الطفل نموذجا للتسامح والعفو عند المقدرة، وهو سلوك وتصرف يؤجر عليه، بإذن الله، ونسال الله أن يعوضه خيرا في مصابه، ويعظم أجره ويجبر كسره، ولكن السؤال هل انتهت الحادثة هنا كحق خاص لوالد الطالب، أم أنها تبدأ كقضية مجتمع له حق عام؟!

والتساؤل المطروح، هل بتسامح الأب وتنازله عن حقه الخاص، وتعازي التعليم له تنتهي القضية؟! وهل تخُتزل القضية في الدعوة لنشر التسامح والعفو بين الناس وتنتهي؟! وهل إن الأب الذي ضرب مثالا فريدا في التسامح يجب أن نتطلع إليه كنموذج للتصرف في هكذا مواقف؟! وهل يمكن تسطيح ما تحمله الحادثة من مفهوم وأبعاد معنوية وتربوية، لهذا المستوى من العفوية والسذاجة؟! وهل تنتهي الحادثة ويغلق ملفها في وزارة التعليم بتنازل الأب عن دم ابنه للقتل الخطأ؟! أليس هناك حق عام للمجتمع يقتضي حوكمة ما حدث؟! أليس ما حدث لمعتز يمكن أن يتكرر مثله أو ما يشابهه على آخرين من فلذات أكبادنا، في ظل غياب المراقبة والأمن المطلوبين بعد حوادث مختلفة سابقة؟! وهل نسينا منْ غرق في مسبح، ومن توفي في باص لكونه نائما؟!، وهل غاب عنا عدد من توفي من المعلمات في رحلاتهن اليومية بين مناطقهن ومدارسهن خارج المدن؟! وهل تُعفى إدارة المدرسة والتعليم من مسؤولية ما حدث؟! وهل إغلاق ملف الحادثة بما انتهت إليه من العفو والسماح وإطلاق الطفل المتسبب، دون أي عقوبة أو جزاء، مناسب تربويا؟! ألا يسهم ذلك في تبسيط حجم تلك الحادثة في نفوس الطلاب وعقولهم؟! ألا يدفع ذلك إلى مزيد من التنمر والاستخفاف بأرواح الآخرين، طالما أن الحوكمة والعقاب غائبان في ظل التسامح المفترض دائما؟!

وكما أننا لا ننكر أننا جميعنا مؤمنون بقضاء الله وقدره، وأن أمر الله نافذ لا محالة، وأن عُمر معتز انتهى في ذلك اليوم، الذي كان يرفض فيه الذهاب إلى المدرسة كما ذكر والده، وأنه تم الضغط عليه ليلقى قدره، ولكننا لا ننسى كذلك أن تلك الحادثة فاجأتنا في بداية عام دراسي جديد، يتطلع فيه الأهل والأبناء بتفاؤل لمرحلة دراسية جديدة، يملؤها الحب والدعاء بالتوفيق والنجاح لأبنائنا، ولا ننسى كذلك أن الحادثة كانت صدمة نفسية كبيرة عامة، حملت في طياتها القلق والألم للمجتمع والترقب لما هو آتٍ، بالتأكيد هناك قلق نحو مستوى الأمن المتاح في مدارس التعليم العام، أو في واقع البيئات المدرسية بجميع متطلباتها وما تحتاجه من تطوير وارتقاء بما فيها، سواء كمنشآت ومبانٍ أو كإدارات مسؤولة عن عدد كبير من الأنفس، تتحمل فيه بجميع مسؤوليها أمانة المحافظة عليها، وهم تحت مظلتها وسقفها الدراسي، وهل ننسى حوادث سابقة، مختلفة الأسباب انتهت بوفاة في فترة الدوام المدرسي؟ وهل ننسى أنه لا يكاد يمضي عام دراسي دون أن يتوارد إلينا خبر أو حادثة مؤلمة لطلاب أو طالبات أو معلمات في مدرسة ما.

نؤكد أننا لا نقلل من موقف الأب الإنساني، ولكن القضية لا تنتهي عند موقف الأب، وتنازله عن حقه الخاص، بل إن الحادثة تفتح ملفا مهما في إدارة التعليم، بالإخلال بمسؤولياتها في حفظ الأمن داخل المدرسة، خاصة أن التحري أثبت في ملابسات الحادثة أنها حدثت داخل فناء المدرسة، وفي الفسحة، وهي الوقت الذي من المتوقع أن يكون فيه احتكاك ومشاجرات بين الطلاب لتجمعهم بأعداد كبيرة في مساحة محدودة، السؤال أين المراقبون؟! أين مسؤولو حفظ الأمن المدرسي؟! أين الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها أو تم توجيه المدارس لها، بعد حدوث وفيات سابقة بأسباب مختلفة؟! ومن جهة أخرى، كيف نربي أبناءنا ونزرع فيهم أهمية الالتزام بالسلوك السويّ في التعامل، واحترام الآخرين بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وهم يجدون من قتل خطأ لم ينله أي عقاب؟!

جميع ذلك لا يتناقض مع أننا نسعى ونهتم بزرع التسامح والاحترام وروح المحبة والعفو وجميع صفات الخلق الحسن بين أبنائنا، ولكن لا بد أن تكون هناك حدود وخطوط حمراء لا يجوز تعديها بين الأفراد، ومن يتعد فله العقاب جزاء لفعله، وبذلك يكون الردع والتأديب، فكما تُبنى الفضائل والخصال الحميدة، توضع كذلك العقوبات الرادعة التي تحفظ حقوق الغير، لتحمي المجتمع من تطرف بعض أفراده لتقويم تجاوزاتهم واعوجاجهم، وإلا لن يصلح مجتمع ولن يتعدل كثير من السلوكيات التي نشهد تكرارها رغم أضرارها الفادحة، طالما كان التسامح والعفو هو القاعدة النافذة، حتى في حرمة الدم.

ولنا في شرع الله قدوة ونموذج منهجي في التعامل مع ما يواجهنا من قضايا وأحداث، فالثواب والعقاب وسيلة من وسائل التربية التي يعتمدها القرآن، لصيانة المجتمع من غوائل الانحراف الخلقي والشذوذ السلوكي، لتأديب الجاني وللترهيب من الجناية، فالإسلام يضع من التشريعات والقوانين والإجراءات الاحترازية الزاجرة، بما يضمن به سلامة المجتمع وسلامة الأفراد من شتى المخالفات والجرائم، وبذلك يمكننا إصلاح المجتمع والحد من تجاوزات بعض أفراده، هنالك من القضايا التي تحتاج إلى قانون مدني يحكمها لتنظيمها والسيطرة عليها، وهناك من القضايا الأخرى التي وضح لنا الشرع سُبل الجزاء والعقاب فيها.