(الملك سلمان مدرسة السياسة)

حينما تُعرض القرارات على الملك سلمان، ويمهرها بتوقيعه، فإنه يبث من خلال حبر قلمه كل خبراته السياسية المتراكمة منذ أن كان في التاسعة عشرة من عمره، وكل سعودي يعلم من سلمان، وحكمة سلمان، وحزم سلمان، وعلى الرغم من الجهود الخارقة لولي العهد السعودي - رأس الجيل الجديد من قيادات الأسرة الحاكمة - والإنجازات التي تداركت الزمان الفائت، وسبقت الزمن الحاضر إلى المستقبل، فإننا نعلم أنها قرارات الملك أولا، وتفويض محترف منه لصلاحيات معينة، أجاد الأمير الملهم استثمارها الاستثمار الأمثل للسير بمركبة الوطن إلى أفق السعودية التي ينبغي أن تكون.

كان الصحويون في 6 نوفمبر 1990 يلقون باللائمة على أمير الرياض وقتها، بسبب محاولة بعض بنات الوطن قيادة السيارات، وكانت المسؤولات عن تلك المبادرة يتكلمن عن التعامل الجيد من المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم أمير الرياض، وهذا يشي بالفكر الريادي الذي تعامل مع الوضع وفق ما يقتضيه من المزاوجة بين نفور مجتمع متشدد غير مهيأ بسبب سيطرة الفكر الصحوي وطلبات طبيعية ملحة وضرورية، ولما دار الزمن دورته كان السماح للمرأة بقيادة السيارة في عهد الملك سلمان الزاهر، وليس هذا فحسب، بل توالت قرارات عدَّلت وضع المرأة لتكون السعودية الأولى خليجيا، وفي مراكز متقدمة عربيا، في مسألة حقوق المرأة، هذا هو سلمان وهذا هو عهد سلمان، عهد التحول الحكيم، والتطور الرزين، الذي ينظر إلى البلد ضمن منظومته العالمية والإنسانية، وليس وفقًا لنظرة ضيقة أو خصوصية متوهمة.

(حديث القائد)

يذكرني الأمير محمد إذا تحدث بكبار المتحدثين المحترفين الذين يضعون كل حرف من كلامهم موضعه الذي يؤدي رسالة ما في عدة اتجاهات، كان حضور الأمير ووهجه في اللقاء التلفزيوني الأخير طاغيا على كل شيء، يبعث الطمأنينة، ويثير الإعجاب، بتجاوز متقن لمأزق الاستفزاز الظاهر في بعض الأسئلة، وهي تقنية إعلامية لإخراج ما لا يود الضيف قوله، وكذلك بالرد المركز المتقن الواثق، وكأنه يتحدث لنفسه وليس للعالم كله.

(محمد بن سلمان السياسي وإيران)

كلنا رأينا أحاديث الأمير السابقة والتي تعطي انطباعا بأنه اقتصادي من الطراز الأول، يعمل وعينه على الاقتصاد أولا، وأخيرا، ولكن أبرز ما يلفت النظر في اللقاء، هو الحديث السياسي المحترف والعاقل فيما يتعلق بإيران وانتهاكاتها، والتي ألخصها في ثلاث نقاط، الأولى: المملكة تفضل الحل السلمي وفي هذا إشارة إلى خيارات أخرى، الثانية: إيران ارتكبت حماقات ويجب أن تقف عند حدها بشكل عاجل، وتجلس إلى طاولة الحوار والمفاوضات، الثالثة: تحميل المجتمع الدولي مسؤوليته التي يجب أن ينهض بها، إذ إن الاعتداء على السعودية اعتداء على اقتصاد العالم بأكمله، ثم يعرج بذكاء على أن الحل العسكري محفوف بالمخاطر، إذ إن النفط سيتحول إلى سلعة غالية جدا، ما لم يجتمع العالم لردع إيران.

كان هذا الخطاب خطابا سياسيا متميزا، يفسح المجال واسعا للخيار السياسي باعتباره الحل الإستراتيجي، إذ أكد الأمير أن الحوار هو الحل الوحيد للأزمة، مؤكدا أن المملكة لديها النية للتفاوض الآن، تجنبا للحل العسكري والذي ستكون له تبعات غير مأمونة العواقب، كما أن الأمير وضع المجتمع الدولي برمته أمام استحقاقات المشهد الراهن، مؤكدا أن إيران لا تتصرف كدولة، بل تنهج نهج الثورة المستمرة، ولا تقيم وزنا للأمن الإقليمي والدولي.

الرجل الذي يمسك بزمام وزارة الدفاع والذي يفترض أن منزعه دوما إلى الحل بالحرب، ويقود بلده ليحوله إلى أحد أكبر وأهم اقتصاديات العالم، أرسل رسالة واضحة للجميع بأنه سياسي متعقل، يزن الأمور بميزان المصلحة والعقل والنظرة بعيدة المدى، وأن طموحاته وآماله تتمحوران حول السلام والبناء الاقتصادي والارتفاع بجودة الحياة على الأصعدة كافة.

(مسؤولية الأمير والمواطن خاشقجي)

سألت المذيعة ولي العهد إن كان هو مَن أصدر أمر قتل جمال خاشقجي، فأجاب بالنفي، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل تحمَّل كامل المسؤولية عن الحادثة؛ فمرتكبوها موظفون في الحكومة السعودية، والضحية مواطن سعودي، وهو كقائد عليه أن يعمل ما يلزم لعدم تكرار مثل هذه الحادثة مرة أخرى.

ثقة الأمير في نفسه، تمثلت في مطالبته لمقدمة البرنامج نورا أودونيل بتقديم المعلومات التي تثبت تورطه في مقتل المواطن السعودي، وإتاحتها للرأي العام العالمي بدلا من تناقل شائعات لا أساس لها من الصحة، سعت بعض الجهات المعادية للمملكة وله شخصيا في ترويجها عبر أذرع إعلامية واستخباراتية معروفة.

(الأمير والمعتقلات)

افترض بكل عاقل عدم إخضاع عقله لأي دعاية مغرضة أو ضغط أحمق يقوم به من يعتقد أنه بهذا السبيل سيحقق هدف إعفاء المخطئ من خطئه أو تجاوزه، فالجهات الأمنية في الحكومة تتعامل مع الجميع وفقًا لأنظمة وإجراءات معروفة ومعتمدة من أعلى سلطة في البلد، ولا تخلو هذه الأنظمة من روح هي العرف والعادة والتربية المجتمعية التي نشأ عليها السعودي، فالتعامل مع المرأة في القضايا الأمنية لن يكون كالتعامل مع الرجل، والتعامل مع المغرر به لن يكون كالتعامل مع المتزعم للفوضى، ولهذا جاء حديث الأمير عن المعتقلات متزنًا، لا يدافع أو يحابي الجانب الحكومي، وأيضا لا يهضم حقه، حينما ذكر أنه مجبر على احترام القوانين والأنظمة السعودية بغض النظر عن عدم رضاه عن بعضها إلى أن يحين الوقت المناسب لتعديلها، وأعاد الأمير تأكيد الأمر بضرورة احترام الأنظمة عندما سألته المذيعة «ألم يحن الوقت لإطلاق سراح لجين الهذلول؟»؛ فأجابها بأن «الأمر ليس بيدي، وإنما بيد سلطة قضائية مستقلة».