لقد وجدتُ، خلال تتبعي الامتعاض الشديد من قِبل المعلمين، جراء صدور لائحة الوظائف التعليمية الجديدة، عدة أمور مهمة، أرى أنهم محقون فيها، في مقدمتها ربط العلاوة السنوية، التي هي حق مشروع لكل موظف حكومي، بعدة اشتراطات، إذ سبق أن تطرقت إليها في مقال سابق نشر بهذه الصحيفة بتاريخ «6/ 10/ 2019».

أما الأمر الآخر الذي أريد التحدث عنه هنا، فهو لا يقل ألماً عن ألم الأمر السابق على من تضرروا منه، وهو صدور هذه اللائحة الجديدة، قبل معالجة بعض القضايا المتعلقة بضياع حقوق مادية سابقة.

فمن أهم القضايا العالقة قضية البند 105، والتي تضرر منها أكثر من 120 ألف معلم، غالبهم من المعلمات.

ومن المؤسف جدا، أننا وجّهنا كثيرا من المقالات حول هذه القضية في عدد من الصحف الرسمية، لوزارة الخدمة، ووزارة التعليم، نسأل عن المتسبب في هذا الضرر، ونطلب منه إما أن يعالجه، أو على الأقل يبين سلامة موقفه، ويقنع أصحابه بعدم أحقيتهم، حتى ينهي تشتت الأذهان بكثرة التفكير فيه، وكثرة الجدل حوله، ومع ذلك لم نجد من يجيب، على الرغم من أن الدولة -حفظها الله- قد عيّنت في كل وزارة متحدثا رسميا، مهمته الأساسية الرد على كل ما يطرح في وسائل الإعلام، ويشغل الرأي العام، فأصبح حال هذه القضية كما يقول المثل: «لا حي فيرجى، ولا ميت فينسى».

ومما يدل على أن هؤلاء المتضررين أصحاب حق، فقد صدرت بحقهم توصيتان من مجلس الشورى تطالبان بإنصافهم، ولو على الأقل احتساب خدماتهم لغرض التقاعد، وما زالت الأخيرة -على حد علمي- منظورة في الديوان الملكي، ولم يصدر أي توجيه بشأنها. فليس من المنطق أن تصدر هذه اللائحة من غير أن تغلق هذه الملفات، فدولتنا -ولله الحمد- دولة أنظمة وشفافية، وليست لديها قضايا تسجل ضد مجهول.

ومن القضايا العالقة أيضا، والتي لا تقل ألما عن قضية البند، قضية المادة (18أ)، والتي بسببها فقد المتضررون عددا من الدرجات المستحقة، وما يترتب عليها من مبالغ مالية، كفروقات تعويضية، ولكن لم يسبق أن تحدثنا عنها، لأن حلها مرتبط بحل القضية السابقة.

ومنها أيضا تحسين مستويات المعلمين الذين حصلوا على مؤهلات جديدة، بعد انخراطهم في سلك الخدمة، سواء كان ذلك عن طريق الانتظام، أو الانتساب، وسواء أن كانوا موفدين، أو غير موفدين، لأن كل ذلك حق مكفول لهم، حسب لائحة الوظائف الخاصة يهم.

لذا، أرى أن يؤجل تطبيق هذه اللائحة، حتى يتم إغلاق جميع الملفات العالقة، إما بالاستجابة لمطالبهم، أو إقناعهم بعدم استحقاقهم، وأن كل ما صدر بحقهم هو حسب الأنظمة، وحسبما ورد في اللائحة التعليمية الخاصة بهم، والتي صدرت عام 1402، والتي لم يعقبها شيء حتى صدور هذه اللائحة. ومن مبررات التأجيل أيضا، معالجة بعض السلبيات التي تكشفت بعد إعلان اللائحة، وتم رصدها من بعض الإدارات التعليمية القريبة من الميدان، حتى لو تطلب الأمر إعادة عرضها مرة أخرى على المقام السامي، إذا كان في هذه المعالجات ما يستوجب الإعادة، فنجاح كل لائحة تنظيمية جديدة ترمي إلى تحقيق هدف ما، مرتبط بتفوق إيجابياتها على سلبياتها، إذا لم يكن بالإمكان تدارك جميع السلبيات.

وبما أن الهدف المعلن لهذه اللائحة، هو الرغبة في تطوير أداء المعلم بوجه خاص، كي ينعكس أثر ذلك على العملية التعليمية بوجه عام، لذا أرى أن يؤخذ بالاقتراحات التي تقدمت بها بعض الإدارات التعليمية، لأنها الأجدر بتشخيص الواقع التعليمي، بحكم معايشتهم له، ومعرفة دهاليزه وخفاياه، ولو تم إشراكهم منذ البداية، لما كثر اللغط وحصل هذا الشد والجذب، الذي عجت به الصحف، ومواقع التواصل.

أما أن يتم التطبيق في ظل تجاهل هذه الملفات، وما تم رصده من السلبيات المؤثرة، فلا أعتقد أنها ستحقق الهدف الذي استحدثت من أجله، وربما يكون لها أثر عكسي غير المتوقع منها، رغم بعض الإيجابيات التي تضمنتها. لذا، أوجّه ندائي إلى الوزيرين الفاضلين: وزير التعليم، ووزير الخدمة المدنية، وأقول: أنا أعلم أنكما حديثا عهد بمنصبيكما، ولن أحمّلكما تبعات ما حدث في زمن سابق، ولكن أرجو أن توليا ما سطّرتُه هنا جُلّ اهتمامكما، فإن أخذتما به فلله الحمد والمنة، وإن كنتما تنظران من زاوية غير الزاوية التي أنظر منها، ولكما وجهة نظر أخرى، فقد أديت أمانة قلمي في نقل الواقع الذي عايشته ورأيته وشخّصته، وأخشى من النتائج السلبية المتمخضة عنه.

همسة: كل مسؤول سيذهب، وسيبقى الأثر الذي تركه، فالموفق هو من سيترك أثرا حسنا.