من أكبر الكوارث التي أصابت العرب هي مغادرة العقول النيرة إلى بلاد المهجر. لم يكن العقل العربي يمر بحالة جيدة قبل حدوث ما يسمى بالربيع العربي، قناة الجزيرة بإدارتها وطواقمها ومطابخها الإعلامية كانت أحد أسباب تلك الأزمة التي أصابت العقل العربي، وذلك بعزف متقن وخادع لتدمير الشعوب والبلدان العربية. في العراق غادر العديد من العلماء والمثقفين والأدباء نتيجة بطش الميليشيات وانعدام الأمن، حتى بعد سقوط حزب البعث، وطرد الآلاف من الموظفين والعسكرين، وحرمانهم من أبسط الحقوق، فوجد هؤلاء المبعدون مصالحهم تتقاطع مع المنظمات المتطرفة رغم الاختلاف الفكري والعقائدي، والإبعاد والتهميش الذي حصل في العراق وليبيا وبعض الدول هما من أسباب ظهور الجماعات المتطرفة. في جنوب إفريقيا عندم تسلم مانديلا السلطة لم يفعل بخصومه ومن سجنوه ما فعلوا به، كان رمزا للتسامح والعفو والتعايش، وعلى إثر ذلك قفزت جنوب إفريقيا على جميع الأصعدة. لقد نال العديد من العلماء العرب جميع الامتيارات في دول المهجر، ولكنهم فقدوا أغلى ما لديهم وهو الوطن، ومن بقي منهم كان مصيره القتل والسجن، الميليشيات المسلحة لا تعترف بالقوانين والأنظمة، والعدو اللدود لها هو العالم والمفكر، فهي تجعل من الدين شماعة لها وهي ترتكب الظلم والقتل والفساد، وهذه هي المتاجرة بالدين، وتجعل من القدس قضية لها، للتغطية على الجرائم التي ترتكبها. لا شك أن أي حرب تقع في الشرق الأوسط تحديدا، أول ثمارها هو جلب العقول النافعة واستثمارها في الغرب، بالإضافة إلى زيادة أرباح الشركات التي تصدر الأسلحة، ومبيعات الأدوية. حاولت الجزيرة التأثير وتضليل الرأي العام في السودان، ولكنها فشلت في ذلك، قوى الحرية والتغيير تشكلت خلال الأحداث من تجمع المهنيين والمثقفين وأصحاب الوعي والإدراك، ولقيت قبولا وترحيبا شعبيا، فذهبت محاولات الأعداء أدراج الرياح، وعاد الأمن والاستقرار. قناة الجزيره تظهر بعض برامجها للمشاهد العربي وكأنها تهتم بالعقل العربي والأزمة الثقافية لدى العرب وما هي أسبابها!؟، ولكنها تفعل العكس بأسلوب آخر، تشجب الإرهاب والتطرف وفي نفس الوقت تدعمه بتقارير وطرق ملتوية، وكأنها تحمل قضية، لقد أصبحت كالخنجر المسموم في خاصرة الوطن العربي. إن أكبر خسارة ليست القتل أو انعدام الأمن أو انهيار العملات في البنوك العربية فحسب، الخسارة هي مغادرة العقول النيرة التي تضيء الظلام وتوقظ الضمائر وتزرع القناعات الإيجابية لبناء الأوطان.