قدوتنا هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد كـان يعـجبه الفأل الحسن، والكلمة الطيبة، ويكره الطيرة والتشـاؤم.

وكان إذا أرسل دعاته يوصيهم بأن يبشروا الناس، ولا يضيقوا صدورهم بالتخويف والإرجاف والتعسير، ففي الحديث المتفق عليه يقول عليه الصلاة والسلام:(يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)، وكان يقول لأصحابه وهم في حال الشدة: (أبشروا وأملوا ما يسركم)، ومع ما لاقاه من شدائد وصعوبات وتكالب الأعداء عليه، إلا أنه كان مُتفائلا.

خرج من بيته ذات يوم، ما أخرجه إلا الجوع، وكان يربط الحجرَ على بطنه من الجوع، قال عمر -رضي الله عنه-: لقد رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظلُّ اليوم يتلوَّى، ما يجدُ من الدَّقَل -أي: التمر الرديء- ما يملأ به بطنَه، رواه مسلم.

لاقَى -كما في كتب السير- من المِحن والشدائد أشقَّها، نشأ يتيمًا، وأُخرِج من بلده، وحُوصِر في الشِّـعبِ ثلاث سنـين، واخـتفَى في غارٍ، ومات له ستة من الولد، وتبِعَه قومُه في مُهـاجَره ليقتلوه كما قال تعـالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوك)، ومكر به أهل النفاق، وسُقِي السمُ، وعُمِل له السحر، وشُجَّت رباعـيته، وكان يقول: «أُخِفـتُ في الله ومـا يُخـافُ أحـد، وأُوذيتُ في الله ومـا يُؤذَى أحـد»، ومـع ذلك كـان متفـائلا.

لقد تكالب عليه وعلى أصحابه الأحزاب من كل مكان، كما في قوله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر)، فواجه وأصحابه ذلك بالتفاؤل، والثقة بالله، وقالوا لما رأوا تلك الأحزاب والجموع: (هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، بعكس أهل الإرجاف والنفاق الذين قالوا بانهزاميةٍ وتشاؤم: (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورا)، وقالوا أيضا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، ولكن أهل الإيمان والتفاؤل لديهم ثقة بربهم، وإيماناً في قلوبهم، فلا يزيدهم الإرجاف إلا ثباتا وتفاؤلا، برهان ذلك قوله تعالى:(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم).

ولهذا فإني أقول مهما تداعـت علينا الأمم المعادية، ومهما تحزبت قوى الشر ضد بـلادنا، فإنـهم مدحـورون بإذن الله، وثقتنا بربنا، ثم بقيادتنا السعـودية كبيرة، فدولتنا السعودية هي التي نصرت العقيدة، منذ ثلاثة قـرون ولا تزال بحمد الله، هذه الثقة تمنحنا السكينة والطمأنينة، وتزيدنا إيمانا وتفاؤلا.

صحيح أن إعلام أهل الإرجاف في بعض الدول المعادية يُسوِّد المشهد، ويفرح بأي شيء يرونه خطأ، ليظـهروا من خلال ذلك تباكيهم على الإسـلام. ويدّعون الغيرة على الدين ومحبته، والنهي عن المنكر، والواقع أنهم منغمسون في المنكر، وما يفـعلونه هو المنكر.

ولو كانت محبة الدين ونصرة الإسلام تعنيهم، لأظهروا ما تقوم به المملكة العربية السعودية من أعمال في خدمة الإسلام والمسلمين.

فهل ذكروا في إعلامهم: جهود المملكة في طباعة المصحف الشريف (كلام رب العالمين) وترجمة معانيه وتوزيعه على أنحاء العالم مجانا؟ هل ذكـروا ما تقوم به المـملكة العربية السعودية من إغاثة للملهوفين والمكروبين في أنحاء العالم؟ هل ذكروا في إعلامهم الخدمات غير المسبوقة في خدمة الحرمين والمشاعر المقدسة؟ هل ذكروا في إعلامهم أن محاكم المملكة تحكم بالشريعة الإسلامية، وأنه لا سلطان على القضاء إلا سلـطان الشريعة؟ هل نقلوا في إعلامهم المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم التي ترعاها الدولة السعودية؟. هذه بعض الأمثلة، وإلا فجهود المملكة في خدمة الإسلام لا نظير لها في العالَم اليوم، ولا أدعي أن بلادنا لا يوجد فيها خطأ أو تجاوز، كلا، الخطأ موجود حتى في زمـن القرون المفضلة، ولكن الحدود تُطبق، والخطأ يُعالج، فلماذا لا ينكرون الموبقات في بلادهم إن كانوا حريصين على إنكار المنكر، وهل المنكر في بلادهم لا يحاسب الله عليه؟

إنني على يقين أنهم هم أهل المنكر، يفرحون بأي خطأ، ليتخذوه سلماً للإثارة، فإن لم يجدوا اختلقوا وزادوا، فهم مفترون وحاسدون، ومن كان عدوا حاقدا لا حيلة فيه، لأنه لا يرضيه إلا زوال النـعمة عن الغير.

والمأمول من كل مواطن ألا يلتفت إلى دجلهم وكذبهم وإثارتهم، وألا يكون سمّاعا لهم، فهم العدو فليحذرهم، وليتمسك بالوصية النبوية وهي قوله عليه الصلاة والسلام: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وليحذر من التشاؤم والقيل والقال، فنحن في أيد أمينة، وقيادة حكيمة، وبلادنا مباركة أُسست على التقوى من أول يوم.