سمعت الكثير عن فيلم الجوكر، لكن لم أتهيأ نفسياً لهذا النوع من الأفلام، فمنذ زمن طويل مخذولة من الطرح السينمائي الأميركي.

منذُ الوهلة الأولى للفيلم، فهمت أنه ليس للمتعة والإثارة، وأني على شفا فيلم على ما يبدو سيكون قنبلة الموسم، حينها رفعت سقف توقعاتي وعدلت وضعية جلوسي وشحذت تركيزي، أدخلت ابتسامتي في جيبي، ألجمتها ابتسامة البهلوان الفارغة التي فُرضت عليه بشخصية أرثر البسيطة والمهتزة في مشهد أسطوري استوقفني كثيراً، حينما قام بعمل وجه كوميدي وتراجيدي في آن واحد، حيث كان يجلس أمام المرآة بوجهه الملطخ بالألوان بعشوائية، يحاول جاهدًا رسم ابتسامة مغتصبة، بمط شفتيه إلى أقصى خديه، مستخدماً إصبعيه، ودموعه تتساقط ببطء شديد، في محاولة منه لمعرفة شعوره في ظل الاضطراب النفسي الذي يعيشه، فداخله تعيس ومتعب، ولكن عليه الابتسام كبهلوان، وهذه هي المأساة بحد ذاتها.

الفيلم هو تراجيديا إنسانية خيالية مستوحاة من الواقع من إخراج المبدع «تود فيليبس» تدور أحداثه حول أرثر الفقير الذي يعيش في مدينة جوثام مع والدته المريضة، ويعمل بهلوانياً متواضعا، وأكبر أحلامه أن يكون كوميديان شهيرا، ويعاني مرضا عصبيا يسبب له نوبات من الضحك الهستيري المتواصل في أوقات غير ملائمة تناقض داخله المتألم والتعس إلى أن يصل لنقطة تحوله إلى الجوكر القاتل.

بطل الفيلم هو الممثل المرشح لعدة جوائز أوسكار «خواكين فينيكس» يؤدي دورا مركبا «أرثر فليك الطيب - والجوكر الشرير».

لا أنصح بالفيلم لصغار السن أو لمتلهفي المتعة مخافة الخيبة، ولو أني استمتعت جداً بجودة العمل، فمن الجلي أن خواكين اجتهد بدءا من نحوله الشديد الذي يتطلبه الدور إلى التحول الكبير من شخصية أرثر الضعيف الحالم إلى الجوكر الواثق القاتل، فلكل شخصية لغة جسد وطريقة حديث تختلف تماماً عن الأخرى، إضافة إلى الضحكة الشهيرة التي تعد التوقيع الخاص بشخصية الجوكر. كما تظهر روعة أدائه في ارتجاله لرقصة شارلي شابلن على الدرج النيويوركي الشهير، وفي انحناء ظهره، وكذلك في ضحكته المصطنعة التي يقطعها فجأة بمجرد انتقاله لمكان أبعد عن الآخرين في أحد المشاهد المبهرة، وذلك يتضح جلياً في رحلته لإثبات ذاته في عالم الكوميديا كتعويض عن نقصه.

إنه ممثل حقيقي يؤدي بشغف واستمتاع، ويجبرك على الدهشة في كل مشهد.

نجحت شركة «وارنر برذرز» في إنتاج فيلم استثنائي وتحفة فنية، رغم أنه من سلالة أفلامها الاستهلاكية أو التجارية، إلا أنه كان بعيدا كل البعد عن هذا التصنيف.

تم تصوير المشاهد، واختيار الموسيقى لتحاكي تلك الحقبة الزمنية، إلى جانب دقة اختيار الزوايا المناسبة لكل مشهد، كل ذلك أعطى أبعادا فنية للفيلم.

وعلى عكس ما شاع عن أن الفيلم يدعو للعنف ويبرر القتل، إلا أنه كجرس إنذار توعوي يسلط الضوء ويناقش قضايا عميقة ومهمة وتحتاج إلى توعية مثل: أثر التنمر على الفرد والمجتمع، وأثر التعنيف والصدمات النفسية على الطفل لاحقاً، وإن كان بسياق درامي خيالي وغير تقليدي وعنيف كمحصلة نختلف معهم حولها.

تضاربت الآراء حول الفيلم بين مؤيد ومعارض ومادح وقادح، لذا نتفق على أنه فيلم جدلي بامتياز، مثير للنقاش ومحرض للكتابة جداً، والخوض فيه مجازفة خطيرة حاولت تجاهلها حتى أعجزني نداء هذا الفيلم، فكتبت.