في العاصمة الإماراتية، اختتم الأربعاء الماضي الملتقى السادس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي يحظى برعاية كريمة من الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات الشقيقة، ورئاسة حكيمة من الشيخ عبدالله بن بية، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ولن أتوقف عند النقاشات والمداخلات العلمية الرصينة التي دارت في اللقاء، وسأقصر مقالي على مسألتين اثنتين فقط.

المسألة الأولى، جائزة «الإمام الحسن بن علي، رضي الله عنه، للسلم الدولية» التي أعلن المنتدى في ملتقاه الثاني، عام 2015 عن إطلاقها، لتكريم أصحاب الأعمال العلمية، والمبادرات العلمية، في صناعة ثقافة السلم، وتأصيل قيمتها في المجتمعات المسلمة، من العلماء والمفكرين، وأتى اختيار اسم سيدنا الحسن؛ استلهامًا لموقفه حين أصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، حقنًا للدماء، وصونًا من الفناء، وفاز بها في دورتها الأولى المفكر الهندي وحيد الدين خان، ومُنحت في دورتها الثانية لمبادرة «المنصة المتعددة الأديان من أجل السلام»، التي أطلقتها قيادات دينية مسيحية ومسلمة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفي دورتها الثالثة مُنحت لمبادرة «بيت العائلة المصرية»، ومُنحت في دورتها الرابعة لكل من رئيسي جيبوتي وإريتريا، وفي دورتها الخامسة الحالية مُنحت للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، عضو هيئة كبار العلماء، استحقها تقديرًا لجهوده البارزة في تعزيز السماحة والتسامح في العالم، وتثمينًا لمكانته العلمية المرموقة، وتكوينه الشرعي والقانوني، وقيادته الناجحة للحوارات الفاعلة مع مختلف الجهات الدينية والسياسية والفكرية والحقوقية حول العالم.المسألة الثانية، هي الإعلان عن «ميثاق حلف الفضول الجديد»، الذي أتى اعتمادًا على «حلف المطيبين» ـ بين خمس فصائل من قبيلة قريش ـ و«حلف الفضول»، والأول لم يشهده صلى الله عليـه وسلم، وشهد الثاني، قبل البعثة بعشرين سنة، وأُبرم بمكة، في القرن السابع الميلادي، وشارك فيه بعض من شارك في الأول، بهدفِ رد المظلمات، ونصرة المظلومين، وعنه قال عليه الصلاة والسلام: «لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت»، وردوا للغريب ماله الذي أراد غيره حبسه عنه. «ميثاق حلف الفضول الجديد»، أتى كذلك استنادًا إلى أحكام القانون الدولي، والقوانين الأممية، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعلن عام 1948، واستند أيضا لجملةٍ من الإعلانات والوثائق المعاصرة، في مقدمتها «بيان رسالة عمَّان» عام 2004، و«مبادرة كلمة سواء» عام 2007، و«إعلان ماردين» عام 2010 ـ فند دعوى تقسيم العالم لدار إسلام، ودار كفرـ، و«إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في البلدان المسلمة» عام 2016، و«إعلان واشنطن لتحالف القيم» عام 2018، و«وثيقة الأخوة الإسلامية»، و«وثيقة مكة المكرمة» عام 2019، والأخيرة كُتبت في رمضان الماضي على هامش مؤتمر رابطة العالم الإسلامي حول قيم الوسطية والاعتدال، وأقرها 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية، وتسلمها وباركها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه. أختم بأن منتدى تعزيز السلم وهو يُقدِّم الميثاق الجديد لحلف الفضول، بفصوله الستة، ومواده الستة عشر، ومبادئه التسعة، وأهدافه الأربعة، يثبت للعالم أن المشتركات بين الناس لاسيما أهل «أديان العائلة الإبراهيمية» كثيرة، والتعاون والتنسيق والتحالف جدير بأن يوطد دعائم السلم، وحقيق بأن يطفئ نيران الحروب، ويهزم وكلاء الرعب والخلاف، وعلى عقلاء العالم أن يتضامنوا معه، ويتفاهموا عليه، ويبدأوا بتفعيله.