المشاريع العقارية الكبرى التي طرحتها وزارة الإسكان في السنوات الأخيرة، والتي تتضمن بيع وحدات سكنية على الخارطة داخل مدن سكنية افتراضية، تحوي كل الخدمات التي يحتاجها المواطن من شوارع وأرصفة وحدائق ومساجد، ومراكز صحية ومستشفيات ومراكز تجارية، تلبي كل احتياجات المستفيد، وتحل جزءا من أزمة السكن المتفاقمة، والتي أصبحت من الأزمات المستدامة في المجتمع.

هذه الصورة المتخيلة لمدن سكنية افتراضية تتطلب مجهودات جبارة وميزانيات ضخمة لإنجازها، وقبل كل ذلك تحتاج طريقةً فعالة في التسويق تسعى إلى إرضاء العملاء وإشباع حاجاتهم ورغباتهم، وذلك بتوفير المنتجات العقارية بالأسعار المناسبة في الأماكن التي يرغبونها.

مشاريع جبارة مثل بناء المدن السكنية الضخمة، ليس من اللائق أن يسوق لها مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، الذين لا يقدمون في الغالب محتوى رفيعا، ولا تتناسب خبرتهم البسيطة مع أهمية هذه المشاريع.

والغريب أن هؤلاء المشاهير أصبحوا جزءا من خطط وزارة الإسكان للتسويق لمنتجاتها السكنية ومشاريعها الضخمة.

نتفهم أن يقوم هؤلاء المشاهير بالتسويق لعيادة أسنان صغيرة أو مطعم وجبات سريعة في عمارة سكنية، ولكن أن يستعان بهم في ترويج مدن سكنية ضخمة فنحن -بلا شك- أمام مشكلة كبيرة.

فالتسويق العقاري لمنتجات سكنية يتوقع منها تحقيق أعلى عائد على الاستثمار والاقتصاد المحليين، ليس كحال التسويق لوجبة في مطعم أو عطر نسائي في محل تجاري صغير.

إن التسويق العقاري الفعّال -وطبقا للفكر التسويقي الحديث- يركز على أن يتم إنتاج ما يمكن بيعه من العقارات، طبقا لدراسة حاجات ورغبات العملاء وليس بيع ما يمكن إنتاجه من العقارات، فالسوق العقاري له خصوصيته وتفرده، فهو لا ينتج سلعا رخيصة ولا يقدم خدمات بسيطة، فحجم الصفقة كبير جدا بالنسبة للعميل أو المستثمر، وهذا يتطلب منظومة متكاملة من التمويل العقاري من شأنها أن تؤدي إلى تسهيل تحقيق حاجات ورغبات العملاء، ومقابلة الطلب المتزايد على العقارات، وهذه المنظومة التمويلية ستحمي العميل ومستقبل أسرته ومصادر دخله.

إن ضبط العلاقة بين أطراف التمويل العقاري في حالة الشراء، وهم «المشتري والمستثمر والبائع والممول»، سيؤدي إلى خلق الطلب الفعال في السوق العقاري، وحماية المشتري من أي صفقة عقارية تكون ضحيتها الأسرة التي يمثل الراتب الشهري مصدر دخلها الوحيد، وعندما يستقطع جزءا كبيرا من راتب المشتري قد يصل إلى 60 % من مصدر دخله الوحيد، فهذه تعدّ مخاطرة كبيرة، خصوصا أن الاستقطاع قد يدوم مدة تصل إلى 30 سنة، بنسبة فوائد تصل إلى 100 % في غالب الأحيان.

لجوء وزارة مهمة مثل وزارة الإسكان إلى مشاهير وسائل التواصل، لن يقدم أي تطوير ولن يزيد من مبيعات المنتجات السكنية، فأزمة السكن في المجتمع ليست مسألة عدد متابعين في حساب أحد المشاهير بوسائل التواصل «سوشيال ميديا»، والمنتج السكني ليس مثل منتجات العطور والمطاعم وعيادات الأسنان. مشكلة السكن لدينا هي مشكلة تمويل في المرتبة الأولى، وإذا وضعت الحلول العميقة لمشكلة التمويل العقاري، وبعد ذلك تمت تلبية رغبات وحاجات المستفيد السكنية، فإن المشكلة ستتقلص بنسبة كبيرة.

يجب أن تعترف وزارة الإسكان -قبل كل شيء- بأن لدينا أزمة تمويل عقاري، وهذه الأزمة لازمتها على الدوام مشكلة خلق الطلب في السوق العقاري، وهذه المشكلة صعّبت عملية شراء منزل العمر لكثير من الأسر.

فهناك كثير من المواطنين بلغت أعمارهم سن التقاعد وما يزال عاجزا عن شراء منزل، وهذه الأزمة تتطلب حلولا عميقة ودراسات مستفيضة لسوق العقار، ولا أظن أن مشاهير وسائل التواصل بيدهم الحل.