مهما كان التطور والتقدم يعم أرجاء دولة أو بلدة ما، إلا أن ظاهرة النزوح من المدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة منتشرة وفي تزايد رهيب. أثناء وجودي في أحد اجتماعات مدينتي الصغيرة، شدني أن أغلب من كان يشاركنا الاجتماع ليسوا من قاطني المدينة، بل أجدادهم وآباؤهم هم من نشؤوا في هذه المدينة، ووجودهم ليس إلا إحياء لذكراهم. لا أمانع التنقل ولا أعارض قوله تعالى (قل سيروا في الأرض)، بل على العكس من ذلك تماما، إنما فقط تساؤلي حول خروج الجميع بلا استثناء، وبحثهم عن فرص، عن تقدم في حياتهم المهنية، مما جعل المدن الصغيرة في حالة فقر دائمة، فقر في الإنتاج برغم ما تنعم به، فقر في الفرص الوظيفية والمشاريع الحقيقية التي من شأنها إن وجدت أيْدِياً داعمة وعقولا منتجة، أن تحول تلك المدينة الصغيرة إلى مدينة متقدمة تدر الخير على قاطنيها، وتكون ذات استثمار سياحي ذي عائد. رؤية 2030 كان لها أيد بيضاء في أن ترى تلك المدن الصغيرة النور، ولكن المواسم لا تكفي. نحن نسعى إلى سد احتياج الفرص بشكل دائم وليس مؤقتا، أبناء وبنات تلك المدن الصغيرة يملكون من المهارات الشيء الكبير، وذوو تخصصات جبارة من شأنها صنع الكثير والكثير، ولكن المؤسف أن بناء المدن الصغيرة والمستثمرين الكبار يبحثون عن الموارد خارج تلك المدن التي أرى أنها لو أعطيت فرصة واحدة سيكون حجم الإيرادات جبارا، وليس له سابقة لأن الجميع -بلا استثناء- مليء ومتعطش، في الوقت ذاته آن الأوان أن يخلق لهذه المدن مبادرات وخطوات واثقة، ففي نهاية الأمر سنخرج بمعطيات ثابتة، بمدن كبيرة عبارة عن تكدس سكاني رهيب، ومدن صغيرة في حالة كساد، واختلال اقتصادي واضح، قد ينشط في المواسم وقد لا ينشط.