كشف أحمد قذاف الدم القذافي، المستشار السياسي للرئيس الليبي السابق معمر القذافي، أن الوضع في بلاده يزداد سوءاً، وأن الليبيين شردوا بسبب الأطماع التركية في الثروات الليبية، وكذلك التواطؤ القطري مع جهات أجنبية. وأضاف في حوار أجرته معه «الوطن» إلى أن الخلاف بين حكومة السراج وقوات حفتر هو صراع مبرمج لتحويل ليبيا لدولة فاشلة تبقى تحت رهن الاستعمار الأجنبي.

ليبيا إلى أين؟

بيّن قذاف الدم أن الوضع في ليبيا يزداد سوءاً منذ أن داهمها الحلف الأطلسي، ودمر القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي بأكبر حملة عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، استمرت 8 أشهر، مضيفا أن ذلك واكبه حرب نفسية شارك فيها الإعلام المبرمج، وقيادات متلحفة بالدين مدفوعة الثمن، ويدفع بعضها الحقد الدفين على العرب، وعشعش في ليبيا الغربان، ونصب الحلف عملاء تربوا في أحضانه ينفذون أوامره، ويوقعون عقود النفط والغاز، وفرطوا في سيادة الوطن، وشردوا شعبه وأهانوا كرامته وأصبح مرتعا ومستباحا لكل قوى الشر ومطمعا لدول كانت بالأمس لا تستطيع أن تتطاول على ترابه، وبات شعبنا الذي كان يعطي الملايين من البشر من جيرانه يتسول في أصقاع الأرض منذ 2011.

حكومة عميلة ترهن ثروات البلاد وتريد تحويلها لدولة فاشلة

الصراع بين حفتر والسراج في ليبيا هل يعد بداية التقسيم للأراضي الليبية؟

الصراع الآن مبرمج ومدعوم من الخارج، ولن يُسمح لأحد من الطرفين بالانتصار، وإنما يريدون تحويل ليبيا إلى دولة فاشلة، وتنصب عليها حكومة عميلة تٌرهن ثرواتها، وتسمح بإنشاء القواعد الجوية والبرية والبحرية لتأمين جنوب أوروبا، ولن تُقسّم إداريا، وإنما تتقاسمها الدول الاستعمارية «كمغنم للجميع».

تواصلتم مع الأطراف هناك بلا شك، هل هناك حلول تضمن الاستقرار في البلاد؟

ما حدث‏ في ليبيا خلال السنوات العجاف أسقط القناع عن الليبيين، ولعل آخرها وجود جنود إيطاليا وتركيا فوق أراضيها، ما استفز مشاعر الليبيين الأحرار ووحدهم. وبعد اعترافات رؤساء الغرب بأنهم من أسقط النظام وقتل الراحل معمر القذافي، همش الدعايات التي كانت تقول «ثورة»، والكومبارس الذين شاركوا فيها، فأصبحوا يتوارون خجلا أمام عائلاتهم وقبائلهم. وجميعا أصبحنا نعترف بأننا أخطأنا في حق الوطن، وعلينا تقديم تنازلات وحقن دماء الليبيين؛ لأننا اكتشفنا أننا ننفذ مخططا يخدم إستراتيجيات دول رُسمت بعناية، وأن الصراع ليس من يحكم وإنما من أجل إنقاذ وطن، فتحركنا لإعادة بناء القوات المسلحة وتوحيد البنادق، واجتماعيا نسعى إلى إنشاء مجلس للشيوخ من خلال مؤتمر القبائل، وسياسيا سنحتكم جميعا غدا، وما يقبله أبناء شعبنا لقيام دولة جديدة سنعمل به علما ونشيدا ونظاما سياسيا دون إقصاء لأحد، ولدينا من القيم الاجتماعية والتقاليد ما يحل كافة ما ترتب عن المرحلة البائسة وتجاوزها وسقوط دولة الباطل العميلة.

الوضع في ليبيا يزداد سوءا منذ أن داهمها الحلف الأطلسي

هل أصبحت ليبيا أرضا لحروب غير مباشرة بين الدول العظمى؟

أكيد، فهذا الفراغ كغيره موجود في العراق وسورية واليمن، ويجعل تلك الدول تتكالب عليها خصوصاً ليبيا التي تملك من الثروات من النفط والغاز والذهب واليورانيوم والموقع المميز، ويجعلها كل ذلك ملعبا مثاليا لهذه الأطماع؛ لأن الغرب ينظر إلينا للأسف كبرميل نفط وغاز، وتفريطنا في بلدنا ينطبق عليه النص القرآني: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون».

يمكننا نقل المواجهة داخل تركيا بتحالفنا مع أحزاب المعارضة

التدخل التركي في ليبيا ما أهدافه؟ وهل يريد إردوغان ضمان مصالح دولته هناك؟

التدخل التركي جزء من هذه الأطماع، وكما قلت دائما، فإن الصراع في العراق وسورية واليمن غطته الأطماع الفارسية ووظفته بغطاء مذهبي، فتركيا شجعتها الفوضى في سورية ومصر وليبيا وتونس ووصول تنظيم الإخوان، فتحركت تحت هذه المظلة الحزبية والمذهبية كغطاء؛ لأنها كانت تتحرك لعودة الهلال العثماني، وتستعد لأوراق تفاوضية عندما تسقط اتفاقية الإذعان التي وقعتها منذ 100 عام في لوزان وتنتهي في 2023. ويمهد إردوغان لتوظيف هذه الذريعة للانتخابات والمساومة بها للحصول على أكبر قدر من الامتيازات في المفاوضات، وكذلك ليبيا منذ سقوط النظام تحولت إلي بيت مال حركة الإخوان العالمية فهي تحول بعشرات المليارات لكل الأحزاب ونشاطها الإرهابي وشراء الذمم والتآمر على جيرانها في مصر وتونس والجزائر والدول الأفريقية. وبانتشالها ستحل الكارثة بتركيا فهي الخندق الأخير بعد خروج مصر، وانتصار الشعب الجزائري وعودة الدولة، وظهور رئيس جديد في تونس لا يخضع للابتزاز ووعي الشعب التونسي وقواه الحية بما يعد له في الخفاء، بعد أن حولوها لممر لكل المرتزقة القادمين من إسطنبول إلى ليبيا. وكانت القواعد والموانئ فيها عام 2011 نقطة انطلاق قوات الحلف الأطلسي لإسقاط طرابلس، وللأسف تركيا تجر للمستنقع الليبي لاستهدافها وتشتيت قدراتها، فهي صدقت أن الغرب يسمح لها، وهي دولة مسلمة أن يكون لها قواعد في الدوحة والصومال وليبيا، ولعل حركة الجيش والحصار الاقتصادي والمعارضة القوية ضد إردوغان علامات على انهيار وشيك، فنحن لسنا بقلقين على طرابلس منهم وإنما القلق على إسطنبول.

هل أصبح تنظيم الإخوان متغلغلا في القرار الليبي وما مخاطره حسب نظركم؟

الإخوان هذا التيار الظلامي في ليبيا لا يشكل شيئا، ولم تكن ليبيا يوما أرضا خصبة لهذا الدين الوافد، وإنما الدعم الغربي وصواريخه وأموال قطر مكنتهم من البرلمان والمصرف والوزارات، وزرعوا عناصرهم في غفلة من الزمن، وباتوا منبوذين ولا مستقبل لهم.

سيف الإسلام القذافي لا زال مبتعدا من المشهد ما عدا تغريدات في «تويتر»، هل هذا يعد مؤشرا على أن «القذاذفة» مُنعوا من العمل السياسي حاليا؟

سيف الإسلام كغيره من أنصار النظام «وقع في الأسر»، وفرضت عليه عقوبات ظالمة من مجلس الأمن، وشمله قرار العزل الذي شمل 500 ألف ليبي، وهذا الرقم في بلد تعداده 6 ملايين، ومتوسط الأسر 5 أفراد، فهذا اعتراف واضح بأن نصف الشعب الليبي معزول، ولدينا 2 مليون هاجروا إلى تونس ومصر. إذا فإن ثلثي الشعب الليبي لا يشارك في البرلمان، ولا يوجد أحد يتحدث عن رفع العقوبات الدولية، ولا الأسرى الذين في السجون لثمانِ سنوات دون محاكمة، ولا على المشاركة السياسية، رغم أن البرلمان وكل المحاكم أسقطت كل العقوبات؛ وذلك لأننا لسنا حزبا سقط كتونس أو مصر فيه بضعة آلاف، إنما نحن تيار جارف يمثل القبائل والنخب والمحاميين والاقتصاديين والسياسيين والجيش والشرطة والقضاء، وخروجنا أسقط الدولة وبعودتنا تعود بإذن الله.

على قطر أن تعود إلى عروبتها ولا تبقى لعبة في يد قوى معادية

تردد عن وجود دور قطري لاستمرار الفوضى في ليبيا، ماذا تملكون من معلومات حول هذا الأمر؟

قطر دولة شقيقة كانت تربطنا بها علاقات متينة أخوية انقلبت علينا في 2011، ووالوا اليهود والنصارى، وهذا خلق حالةً من الاندهاش، واليوم تأكدنا بأنها مرهونة لقوى تهيمن على قرارها، ولعل ما ترتب على عزلتها عن محيطها العربي يجعلها تراجع نفسها وتعود إلى عروبتها. عدونا الدول الاستعمارية وصراعنا معها بدأ منذ طرد القواعد الأميركية والإنجليزية والإيطالية بعد ثورة الفاتح، واستمر هذا الأمر قرابة 40 عاماً. وهذا مقبول ومنطقي، أما أن يقوم أشقاؤنا بالإسناد والدعم دون مبرر، فهذا مؤلم، وأدعوهم أن يصححوا هذا الخطأ.

نحن وقفنا بوجه أميركا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، ونحن من أسقط وقتل القذافي بدعمٍ من حلف الأطلسي، وكل من كان تحت أقدامه عبارة عن كومبارس من الليبيين وغيرهم، ويبقى أهلنا في قطر لهم مكانتهم عندما يعودواً.

رئيس الإستخبارات السابق في عهد معمر القذافي، أبو زيد دوردة، قال في حديث صحفي: إن تركيا تريد تثبيت الإخوان في ليبيا، لتكون مسرح عمليات وهجوم على الدول المجاورة من خلال التنظيم، ما صحة مثل هذه الأحاديث؟

ما قاله الأخ أبو زيد ليس اجتهادا، وإنما جاء من رجل كان على جهاز الأمن الخارجي، ويعرف أن إردوغان نصّبه الإخوان خليفة لهم، وأصبحوا تابعين له، ويظن أنه من خلالهم تصبح ليبيا تابعة لدولة الخلافة، ويستهدف من خلالها جيرانها، وهذا يتم كل صبح في السنوات الماضية. أما الآن، فقد حصحص الأمر، وبات سقوطهم في ليبيا مسألة أسابيع، وإرسالهم لعناصر التركمان هذه الأيام لن يغير في تصميم شعبنا على فجر جديد، وقد حذرت إردوغان بأنه بهذا السلوك يهدد مستقبل العلاقات، وأن تجربة تركيا في ليبيا عندما كنا حفاة موثقة في عهد الاستعمار التركي، واليوم نملك أن تنتقل المواجهة داخل تركيا بتحالفنا مع أحزاب المعارضة والجيش وحتى أعضاء حزبه الذين لا يقبلون بهذا السلوك وهذه اللغة الاستعمارية. ونقول له إن الاستعمار يبقى بعد تجارب الشعوب مشروعا فاشلا، وأتمنى عليهم قطع علاقاتهم مع العدو الصهيوني والتوقف عن اللهث وراء الاتحاد الأوروبي الذي دمج كل دول أوروبا الشرقية ولن يقبل تركيا المسلمة وعليها أن تعود لجيرانها العرب وترمم جسور المحبة والوئام والتعاون، فهذا هو مكانها الطبيعي وحلفها الذي يدخل الجنة ويحمي ديار الإسلام من الهجوم على الخط الأخضر الذي لن يتوقف ولا يفرق بين أنقرة والرياض وطهران. وما يجري هو استنزاف لن ينتصر فيه أحد، وعلينا معا طرح مشروع بناء يدافع عن الأمة في مواجهة مشروع الدمار. لقد أصبحنا كما يقول الله في محكم التنزيل: «يخربون بيوتهم بأيديهم». اطمئنوا على ليبيا، فرجالها عقدوا العزم على انتشالها قريباً.