نشأ ذلك الشاب في أسرة مُحافظة لا تعترف «بعاطفة الحب»، فالحب في قاموسها ليس للرجال الأشاوس، بل سمة الضعفاء من الناس، في الوقت ذاته تعترف حضارة تلك الأسرة «بعاطفة الحب»، وأن هناك قلبين في بدن واحد، ولربما امتد الأمر ليُقال هناك روحان في جسد واحد. تَعرف ذلك الشاب على فتاة حسناء وجزم أنها شريكة العمر، فرح بتلك العاطفة واعتقد أن قلبه الثاني مع فتاته، وأن روحها الثانية مُجسدة في كل جزء من كيانه. انتهز الفرصة في ذات ليلة وأسرته مُجتمعة تحتسي أكواب «الكرك» مُنتظرين كبسة «الحاشي»، وإذ بوالده ينظر إليه ويبتسم ثم قال، اسمع ولدي أنا قررت أن أزوجك ابنة عمك «فهاد»، فأنت لها الغطا والستر، زمجرت الأم وقالت هيت لك، إنه لبنت أختي «حليمة»، وبين مد وجز ابتسم الشاب وقال لقد وقعت في «الهوى»، ولي قلب في بدن آخر، وهناك روح أخرى في جسدي، استغرب الأبوان مما قال الابن، حاولا ثنيه عما قال بقدر الإمكان، ولكنه أصر على اتباع قلبه تحت ثقافة المُجتمع بالاعتراف بالحب ورفض الأسرة له، على العموم ظهر ما لم يكن بالحسبان، فيبدو أن «الفولتج الاجتماعي» كان مُختلفا ما بين قوة وضعف، وتم الرفض من قبل الأبوين بناء على ذلك، تتبع الشاب «الفولتج الاجتماعي» ووجد أن المنبع أبونا «آدم» عليه السلام، وأمنا «حواء»، وإن تعددت الأعراق والأجناس، على العموم كان الرفض مُطلقا، باءت كل محاولات الشاب بالفشل، وبدأت تظهر عليه علامات الاكتئاب، والأهل يسطحون مشاعره تارة ويستخفونها تارة أخرى، حتى وصل الشاب إلى حافة الهاوية «الانتحار».

اتصل الشاب بخطوط الانتحار الساخنة والتي تُدار في العادة بمُؤسسات خيرية لا يُعرف هويتها، وبمستشارين أسريين في الغالب هم «أساتذة متقاعدون»، وحدثهم عما به من مُعاناة، وأنه يخشى على نفسه الانتحار، أُعطي كمية من النصائح تلخصت في عليك أن تُرضي والديك أولا، وترتبط بمن اقترحوه حتى لو كانتا فتاتين في قلب واحد «ابنة العم وابنة الخالة» من أجل إرضائهما، وأن المُنتحر مصيره النار، وعليك بالصبر والحياة مُجرد عبور فقط، لذا تجاوزها بأقل المتاع، وهي حلوة لا شك!! لم يرُق للشاب ذلك الطرح. واصل الشاب مشواره لطبيبه النفسي والذي أفاد بأن هناك «صدمة» ولكن لا ترتقي لتشخيص الاكتئاب كون المُدة الزمنية للمُصيبة غير كافية لتشخيص الاكتئاب، سوف تُعطى مضادات القلق «ِAnxiolytics» لفترة محدودة ومن ثم وبعد مرور الزمن المُتاح حسب الدليل الوصفي التشخيصي لتحديد الاكتئاب سوف تُعطى مُضادات الاكتئاب «Antidepressants»، وعليك الانتظار أسبوعين لترى النتيجة، لم يرق للشاب ما سمع من طبيبه وخاف من الدواء وشد الرحال للمُختص النفسي، والذي بدا يُكيل له النصائح التي لا تُسمن ولا تُغني، وما لبث إلا وأقعده على كرسي «الاسترخاء»، وخذ نفسا وخرج الآخر، اشتد به المقام وذهب لمستشفى الصحة النفسية فالأمر لا يُطاق، وأصبح شبح الانتحار يُخيم عليه الليل والنهار، وخشي على نفسه وطلب منهم «الفزعة» في التنويم مما به من مُعاناة، أفادوا بعدم وجود سرير، تدبر السرير مُؤخرا بفيتامين «و» وفرح الشاب كونه أصبح تحت الرقابة في المستشفى لحمايته من إيذاء نفسه، دخل الجناح وإذ به يجد نفسه مع مرضى بعوارض شديدة وغريبة من مختلف التصنيفات العقلية، وإذا به الأفضل بينهم والمُستبصر بحالته، وبدأ مسيرة الدواء من لحظة الدخول، ظانا أن هناك من سوف يقوم على علاجه «نفسيا» مع الدواء، سأل أين المختص النفسي؟ أفادوا ليس مقيما هاهنا!!، نحن هنا، مدعين أنهم يتبعون المُرشد السريري «Clinical Guidelines» الصادر من النظام الصحي، مع العلم أن رؤية المستشفى ورسالته وأهدافه المجدرة تنص على أن خدماتنا وفقا للمنظور الحيوي- النفسي- الاجتماعي، لم يحتمل الشاب ما رأى ولم يستطع البقاء والتعايش مع مرضى ليس لهم استبصار بحالاتهم، وزادت حالته سوءا على ما به، وفي الأخير وبعد طلب شديد أتاه ذلك المختص النفسي وعندما عرض عليه ما به من ألم قال له المختص احمد الله أنك لست كهؤلاء، شافاهم الله، أنت بخير ونعمة!! وخلص الكلام، هنا أيقن أنه لا حل وطلب الخروج من المستشفى على مسؤوليته، وهنا أدرك أن الانتحار هو الخلاص، خطط وأقدم وانتحر!!! رحمه الله. التساؤل هنا من المسؤول عن انتحاره «الأبوان، المجتمع، المستشار الأسري، مختصو الصحة النفسية، المستشفى أم النظام الصحي؟ لست أدري!!!.