رغم تأكيداتها الدائمة على الالتزام بمبادئها العشرة لعدم الانحياز لأي من المعسكرين الشرقي أو الغربي في ميثاق قديم، إلا أن هذه المبادئ فقدت قيمتها في سياسة اليوم، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، الأمر الذي يطرح تساؤلا دائما عن السبب وراء استمرار هذه الحركة لأكثر من 65 عاما، فضلا على أن كثيرا من الدول لا تطبق بشكل حرفي المبادئ العشرة التي خرج بها مؤتمر باندونج، أول تجمع منظم لدول الحركة، فكثير من الدول اليوم إما أن تتحيز للمعسكر الأميركي أو للروسي، ما جعل محللين يصفون هذه الحركة بالمتوفاة دماغيا التي تعيش بالاجتماعات التي تفرق بينها سنوات طويلة.

البدايات

تعتبر حركة عدم الانحياز واحدة من نتائج الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ونتيجة مباشرة أكثر، للحرب الباردة التي تصاعدت بين المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو) وبين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو) حال نهاية الحرب العالمية الثانية وتدمير دول المحور، وكان هدف الحركة هو الابتعاد عن سياسات الحرب الباردة.

وتأسست الحركة من 29 دولة، وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونج 1955، والذي يعدّ أول تجمع منظم لدول الحركة.

وانعقد المؤتمر الأول للحركة في بلغراد عام 1961، وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات حتى القمة الـ 18 للحركة التي انعقدت، يوم 24 أكتوبر 2019 في باكو عاصمة أذربيجان. ووصل عدد الأعضاء في الحركة عام 2011 إلى 118 دولة، وفريق رقابة مكون من 18 دولة و10 منظمات.

لقد أصبحت «روح باندونج»، التي تتضمن مبادئ باندونج العشرة للعلاقات بين الدول والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، مجموعة من الأعراف التي تحكم العلاقات الدولية والمعترف بها على نطاق واسع.

وتكمن المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في: الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر، والمساواة، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.

روح باندونج

رغم الاتفاق على مبادئ باندونغ وعلى فكرة عدم الانحياز إلى أي من الكتلتين المتصارعتين، إلا أن هذا الاتفاق لم يمنع انحياز دول إلى إحدى الكتلتين، أو على الأقل تقارب السياسات بين دول الحركة مع دول وأطراف في الكتلتين.

فقد كانت سياسات الهند ومصر ويوغسلافيا في مرحلة تاريخية على سبيل المثال أقرب إلى سياسات الكتلة الشرقية، في حين أن سياسات باكستان ودولاً أخرى تميل إلى المعسكر الغربي.

ويرى مراقبون أن عوامل جيوسياسية واقتصادية تفشل المبادئ الخاصة بدول عدم الانحياز، أو تطبيق أي من بنودها بشكل حقيقي، وهو الأمر الذي يتناقض تماما مع الواقع السياسي في عدد كبير من الأقاليم والدول. وفي كثير من الملفات نرى هناك تحيزات من دول إلى دول أخرى أو لكيان أكبر وتحالفات تتناقض بشكل كلي مع روح باندونج.

مبادئ على الورق

مع نهاية ثمانينيات القرن العشرين، انهارت الكتلة الشرقية برمتها وتفكك الاتحاد السوفياتي إلى مجموعة من الدول، ما أوجد مناخا جديدا وضع الحركة في مواجهة تحديات كبيرة، ذلك أن نهاية الصراع بين الكتلتين المتعاديتين، قد يعني نهاية الحركة، التي كان ذلك الصراع يشكل جوهر وجودها واسمها ومضمونها.

ويرى البعض في حركة عدم الانحياز أن مبادئ وأهداف الحركة ما زالت تحتفظ بشرعيها وصلاحيتها وقوتها، خصوصا مع ظهور الهيمنة والقطبية الأحادية، ما يعني أن الشرط الأساسي لعدم الانحياز إلى أي من الكتلتين، لم يفقد شرعيته وصلاحيته بانتهاء الحرب الباردة.

كما رأوا أن انهيار إحدى الكتلتين لا يعني الخلاص من المشكلات الملحة القائمة في العالم، خصوصا مع تعاظم قوة الكتلة الباقية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والحروب في يوغسلافيا السابقة وأفغانستان والعراق.

ومن هنا جاء تأكيد قادة دولة الحركة، أثناء قمتهم الرابعة عشرة في هافانا بكوبا في سبتمبر 2006، على التزامهم بالمثل والمبادئ والأهداف التي قامت عليها الحركة، وبالمبادئ والأهداف المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

وقرر قادة الحركة في تلك القمة ضرورة تدعيم الحركة وإحيائها والتضامن بين جميع دولها، والتنسيق فيما بينها لمواجهة التهديدات العالمية الناشئة، إذ إن غياب إحدى الكتلتين المتصارعتين «لا يقلل بأي حال من ضرورة تدعيم الحركة كآلية للتنسيق السياسي بين الدول النامية».

مؤسسو الحركة

في عام 1960، وفي ضوء النتائج التي تحققت في باندونج، حظي قيام حركة دول عدم الانحياز بدفعة حاسمة أثناء الدورة العادية الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي شهدت انضمام 17 دولة إفريقية وآسيوية جديدة. وكان رؤساء بعض الدول أو الحكومات في ذلك الوقت، قد قاموا بدور بارز في تلك العملية، وهم جمال عبد الناصر من مصر، وكوامي نكروما من غانا، وشري جواهرلال نهرو من الهند، وأحمد سوكارنو من أندونيسيا، وجوزيف بروز تيتو من يوغوسلافيا، الذين أصبحوا، فيما بعد، الآباء المؤسسين للحركة، ورموز قادتها.

المبادئ الـ 10 لحركة دول عدم الانحياز

احترام حقوق الإنسان الأساسية وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة

احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها

إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها

عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها

احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقا لميثاق الأمم المتحدة

عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأيّ من الدول الكبرى

عدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى

الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة

الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة

تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل

احترام العدالة والالتزامات الدولية