«حب الأوطان من الإيمان» عبارة خالدة، وترجمتها عمليا أمر لازم، ولا تكون الترجمة صحيحة إلا بالإخلاص للوطن، والتفاني في الذود عنه، والتضحية في سبيله بكلّ عزيز، لأن الأمان الذي سيحققه الوطن للإنسان لا يقدر بثمن، ولأن الخير الذي سيتحصّل عليه سيُنشئ حُرمة مقدسة بينه وبين ووطنه، ستحيي فيه (القومية الطبيعية) الصادقة لوطنه، وهي تلك التي تتجلى في حب الجميع للوطن؛ بكل لهجاته ومعتقداته ومذاهبه وتاريخه وثقافته وسماته، وعندها سيفهم الناس ما قيل في أدبيات الهند: «حرمةُ بلدك عليك مثل حرمة أبويك؛ لأنّ غذاءك منهما، وغذاءهما منه»، وسيعي الكل سلوكيات النبي الأعظم، صلى الله عليه وسلم، عندما خرج من مسقط رأسه قائلا: «إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولو تركت فيك ما خرجت منك»، وستنهزم فورا (القومية الإيديولوجية)، التي تكره الاختلاف والتنوع والتباين في الألوان والألسنة، وكأنها لم تقرأ قول العزيز القوي: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}؛ فالاختلاف قدر إلهي، وبدونه يحصل الاضطراب، وتفوت المطالب، وينعدم التفكر، ويغيب الاعتبار.
أختم بأن كثيرا من المندسين يحاولون إيجاد فجوة بين الدين الذي لا يعارض التنوع والتعدد، وبين الوطن، ويستميتون بكل قواهم في إحداث انفصام بين الوطن والمواطنين، بطرق كثيرة متناقضة، وأحيانا متقاطعة؛ ففريق يجعل الوطن ملكا له ولأفكاره هو فقط، ويحرمه على غيره، ويجعل حدود وطنه على ما يعتقده، وفريق يجعل الوطن حفنة تُراب، والنتيجة المترتبة على هذا وذاك هو أن يُنظر للوطن نظرة دُونية، يترتب عليها سهولة التفريط فيه، مع إضعاف أو إلغاء للولاء، والانتماء، وهو ما لا يستطيع الوصول إليه الوشاة المتربصون من الداخل والخارج بجمال المشهد المتنوع لمملكتنا السعودية، والذي يأتي كنتيجة طبيعية لقيادة راشدة، نهج راعيها وولي أمرها أبقاه الله: «التصدي لأسباب الاختلاف، ودواعي الفرقة، أو التنافر، بين مكونات المجتمع، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع، بما يضر بالوحدة الوطنية».