بعد جهد بحثي متواصل استمر خمس سنوات، أصدرت جامعة حائل موسوعة علمية باسم (موسوعة منطقة حائل)، تضم خمسة مجلدات ترصد واقع منطقة حائل في سائر المجالات، ففي المجلد الأول حديث عن التعليم والثقافة، ثم الثاني في التراث والسياحة، وتضمن المجلد الثالث التنمية الريفية والحضرية، وأما المجلد الرابع فكان الحديث فيه عن التنمية الاجتماعية، وأخيرا تضمن المجلد الخامس التنوع الأحيائي أي (أشكال الحياة على الأرض وتنوعها في الجينات والأنواع والجماعات البيئية). كانت فكرة هذه الموسوعة نابعة من مدير جامعة حائل الدكتور خليل البراهيم، الذي سبق أن اشترك في عدة موسوعات ذات مستوى عال، ومنها: الموسوعة العربية العالمية، وموسوعة المملكة العربية السعودية، وموسوعة التراث التقليدي المملكة العربية السعودية، ورأى أن منطقة حائل تخلو من أي موسوعة في هذا الشأن، مع أنها بتاريخها وإرثها الزاخر، وحاضرها المشرق، ومستقبلها الطموح، تستحق موسوعات ترصد وتوثق الماضي الأصيل، والحاضر الجميل، والمستقبل المزدهر، وأن جامعة حائل تملك من الكفاءات العلمية ما يؤهلها لهذا المنجز الكبير، لا سيما أن البحث العلمي وخدمة المجتمع من أهداف الجامعة، فشرع في تنفيذ هذه الفكرة، وكوّن فريق العمل، وتابع العمل مع فريقه حتى أصبحت الفكرة واقعا ملموساً، وأسفاراً علمية وثائقية، فكان هذا العمل غير المسبوق في حائل هدية للوطن ولمنطقة حائل وأهلها.

يرى القارئ الكريم في بداية الموسوعة توثيقاً للحراك العلمي في منطقة حائل في التاريخ القديم، قبل انضمام حائل لحكم الملك عبدالعزيز رحمه الله، وعرض شهادات لبعض الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة آنذاك، ووثقوا بعض ما رأوا، ويعلم كل باحث ومطلع أن تفسير ابن جرير الطبري الذي لا نظير له في التفسير، كان مفقودا، لولا نسخة وحيدة كانت موجودة في مكتبة أمير حائل آنذاك، تم نسخها وتصويرها.

مما يدل على الحركة العلمية في حائل، وقد ذكر أحد الرحالة الغربيين وهو ( تشارلز داوتي ) أنه في طريقه إلى حائل، مرّ ببلدة تابعة لها وقريبة منها وهي (موقق) رأى شاباً قابله وطلب منه كتاباً يقرؤه، فأعطاه الرحالة كتاباً في الجغرافيا مترجما للعربية، قال الرحالة: (فانكب الشاب على الكتاب بشغف وتعطش للقراءة، مثل ما يحدث في البلاد المتقدمة في المجالات العلمية، وفي النهاية أغلق الكتاب عندما أفلت الشمس للمغيب، ووضعه على رأسه دلالة على تقديره الكبير له، وهي عادة شرقية لم أشاهدها مرة ثانية في الجزيرة العربية، سألني: أيمكنه شراء الكتاب؟ ولأني أجبت بالنفي سأل: أيمكنه أخذه للمنزل ليواصل القراءة ليلاً؟ وهو ماوافقت عليه) وهذا كما ترى نهَمٌ في العلم والاطلاع، كما ذكر ذلك الرحالة أنه حصل في حائل نقاش وأسئلة وجهت له عن النمسا وفرنسا وألمانيا، وقال عن أحد الشباب في حائل إنه فطري مهيأ للدراسات العقلية، ولما ذكر لهم أن معه كتاب كُتب بالعربية فيه إجابة لأسئلتهم، ذكر أنهم طلبوا أن يحضره، وأرسلوا معه من يضيء له الطريق بأحد عسبان النخل المشتعل.

في الكتاب نماذج كثيرة تدل على الحركة العلمية المبكرة في منطقة حائل للرجال والنساء، وأما في العصر الحاضر بعد مجيء الملك عبدالعزيز رحمه الله فقد انهمر الخير والعلم والنماء على حائل، بل على كل الوطن، حتى قال عنه الفرنسي جان يينيز: (إن الملك ابن سعود إذ يموت وهو الذي أطلق عليه الإنجليز اسم «نابليون الجزيرة العربية»... أنجز المعجزة، لقد أخرج ابن سعود من الرمال أمة جديدة)، وقد تضمنت الموسوعة ما يؤكد ذلك.

كما تضمنت مجلداً غايةً في الأهمية، يُعنى بالتراث والسياحة، فالمنطقة تزخر بالآثار التاريخية، والأماكن السياحية، والكثبان الرملية، والجبال الشاهقة، والسهول والأودية، وبرك زبيدة، وآثار فيد والشويمس وجبة وغيرها، والتي سجلت في اليونسكو، كل ذلك تم توثيقه في تلك الموسوعة المباركة (موسوعة حائل)، وقد حان الوقت لاستثمار المقومات السياحية والأثرية في المنطقة، وجاءت الموسوعة في (محورها السياحي) لتدعم هذا التوجه.

هذه الموسوعة الثرية بالمعلومات القيمة، ستكون بين يدي الباحثين والمطلعين، ورواد المعرفة، وذكر مدير الجامعة في حفل الانتهاء من عمل الموسوعة وطباعتها، ذكر أهمية ترجمة تلك الموسوعة إلى اللغة الإنجليزية بالإضافة إلى العربية، خدمة للسائحين والراغبين من كل أنحاء العالم.

فشكرا لمدير جامعة حائل على هذا العمل الموسوعي الذي يخدم منطقة حائل، وشكراً لفريق العمل معه.

ولاريب أن الموسوعة الضخمة، ذات القيمة العلمية العالية، لا يمكن اختزالها في مقال، ولكنها إشارة للدلالة على هذا المنجز القيّم، ومخبر الموسوعة يغني عن وصفها، والحمد لله رب العالمين.

حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحفظ الله سمو ولي العهد الأمين محمد بن سلمان، وحفظ الله هذا الوطن مأرزاً للإيمان، ومهوى أفئدة محبي الخير والسلام والأمان.