أحسنت النيابة العامة عندما أعلنت قبل أيام انتهاء التحقيق في قضية مختطفة الأطفال، والمطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام بحقها. إن قضية المجرمة التي اختطفت الأطفال الثلاثة قد أخذت حيزا منطقيا من مختلف القنوات الإعلامية، كالصحف، وأدوات التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر وواتساب وغيرها. وكانت معظم التفاعلات تعبر عن صدمتها من هذه الواقعة الأليمة، وبالوقت نفسه تبدي الفرح لعودة الابن الضال إلى أحضان عائلته الحقيقية بفعل صدفة، ورب صدفة خير من معاد. وذلك عندما اضطرت الخاطفة لإخراج هويات لمن اختطفتهم وتعثرت، مما أدى إلى اكتشاف تلك الجريمة البشعة. والذي يجعلني أستغرب، ولا أستشرق، تبني البعض فكرة أن الأم هي التي ربت ولو بالسرقة، ويطبقها على هذه الحالة النكرة، وزد على ذلك المطالبة بالتسامح معها لأنها تعبت في تربيتهم. لا شك أن لكل إنسان الحرية في رأيه، ولكن في هذه الحالة الأمر يبدو لي فيه شيء كثير من الغرابة، وصل في رأيي إلى تدليل مجرمة لا تستحق لأي درجة مهما صغرت، التغاضي والإحسان. مجرمة تختطف فلذات أكباد الناس، ويا غافلا لك الله، وتحرم ذويهم منهم عشرات السنين وتستحق الرحمة؟!.. ربما عذر هؤلاء أن هذه الإنسانة (اللطيفة) ذات اليد الخفيفة، تمارس هوايتها، فهي لا تحب لعبة كرة القدم ولا تنس الطاولة، ولا حتى البلوت، يعني تجلس «كدا» مسكينة لا شغلة ولا عملة. فللضرورة أحكام، يعني أيش فيها عندما تمارس هوايتها الحميمة وتخطف لها طفلين أو ثلاثة، وهي عداها العيب لم تخطفهم من الشارع أو كانوا صايعين، بل خطفتهم من المستشفى، وبعدين هل الأطفال اشتكوا لأحد؟. يا جماعة إذا أكرهتموهم حق الله أعطوهم. إن هذه المختطفة لو كان عندها قدر من الطيب والإحسان ما حرمت الأهل من أبنائهم، ورضيت لهم حرقة الفراق واختطفت الفرحة من قلوبهم، أضف إلى ذلك الأبناء الذين منعت عنهم حقوقهم في أن يتربوا في أحضان عائلاتهم، لقد أسكنت في حياة هذه الأسرة الحسرة والانتظار المر، لعل وعسى أن يطل عليهم في لحظة سعد أبناؤهم. إنها لم تكتف بخطفهم وهي لديها أبناء، بل كان في نيتها إخفاء الأمر إلى ما لا نهاية، بل أقرت أنها كانت تخطط لخطف طفل كل ثلاث سنوات، عشان ما تفقد حاسة الخطف، الحقيقة مخلوقة مجتهدة. لو أن هذه الخاطفة كفّرت عن بعض ذنبها ورجعت إلى صوابها وبلغت السلطات المختصة أو أهل الأطفال المختطفين، لكان هناك إلى حد ما بعض القبول لاعتباره كعامل مخفف. لو حضرتم لحظات لمّ الشمل وذلك المشهد الرهيب أكيد كنتم ستعيشون نهاية هذه التراجيديا الحزينة، وبداية ملحمة فرح لا حدود له، خاصة عندما نزلت أم نايف من أعلى جبال منجد في قرية هروب على قدميها متجشمة العناء لتقابل فلذة كبدها، ولا تنتظر حتى يصل إلى المنزل، وكيف كانت حرارة اللقاء الذي توحدت فيه كل المشاعر، فلا إحساس يعلو على البهجة الغامرة التي كانت هي سيدة الموقف، وما عبر عنه نايف حين قال إن أحضان أمه ودموع الفرح التي ذرفتها عيناها عند اللقاء أنسته كل الأوجاع السابقة، وإنه يشعر بالألم والحزن لعدم ملاقاة والده الذي توفي منذ تسعة أشهر، فهذه المدة البسيطة نوعا ما بالنسبة لحرمان السنين كانت كفيلة بأن يرتمي بأحضان والده. إن عفو الأسرة المتضررة والأبناء عنها هو ردة فعل تعكس حجم فرحتهم، وأنهم يرجون ما عند الله وهذا من حقهم، أما حق المجتمع والنظام العام فلا يسقط، وإلا كان هذا مشجعا لكل من أحب أن يختطف أن يقوم بفعلته، فلعل وعسى إذا اكتشف فالعواطف الإنسانية واستدرار العفو موجود. إن تطبيق أشد عقوبة، والأخذ بعين الاعتبار كل الإجراءات والتنظيمات الدقيقة والصارمة، سيكونان رادعين لمن قد تسول له نفسه تكرار ذلك الجرم البشع، ولكي يطمئن الناس أن أبناءهم وأحفادهم في أمان.