تذهب الباحثة التونسية حياة الرايس إلى أن «المجتمعات العربية الإسلامية تخضع جسد المرأة لقوانين صارمة، فيهرب إلى سلطة أخرى غيبية (الجان)، حيث تكون هناك الحرية الموهومة، التي تتحول إلى أعراض مرضية نفسية وجسمية».

تتمحور قصة هذا الكتاب (جسد المرأة: من سلطة الإنس إلى سلطة الجان) حول رحلة جسد المرأة عبر المجتمعات القديمة والحديثة، وتحاول فيه الرايس رصد واقع المرأة في المجتمع العربي والإسلامي خاصة، داعيةً إلى تحرر جسد المرأة من كل سلطة خارج سلطته في إطار الحرية الحقيقية للمجتمع ككل.

قراءة في الأسطورة

تغوص المؤلفة في التاريخ القديم، وترى أن الأسطورة تعكس عقلية كاملة لا يختلف فيها الخيال الشعبي عن الفكر الفلسفي، قائلة «إنها لمأساة أن يلتقي الرجل العامي مع الفيلسوف في أن المرأة مخلوق درجة ثانية، إن تعريف أرسطو للمرأة بأنها (رجل ناقص) لا يختلف كثيرا عما يتداول اليوم من أن المرأة ناقصة عقل ودين.

صور المرأة في التاريخ البشري

في الحضارة اليونانية: المرأة العاقلة تُطلق على التي تعرف كيف تصمت، وتخضع للأوامر، وقد تُرجمت مواقف أغلب فلاسفة وعلماء اليونان هذا الواقع الدوني، والنظرة الاحتقارية للمرأة، فسقراط، يرى أن وجود المرأة هنا هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم. أما أفلاطون، فقد دعا إلى مشاعة النساء (رغم تراجعه فيما بعد). وصرح أرسطو، بأن «الأنثى أنثى بسبب نقص معين لديها في الصفات».

وميز فيثاغورس بين «مبدأ الخير الذي خلق النظام والنور والرجل، ومبدأ الشر الذي خلق الفوضى والظلمات والمرأة». أما أبقراط، فقد أعلن أن «المرأة هي خدمة البطن».

في الحضارة الرومانية: القانون الروماني يقر بحق الرجل في هجر زوجته وإنكار أبنائه، وحتى بيعهم، كما يعترف للرجل بحقه في أن يستولي على كل ممتلكات زوجته وفي محاكمتها ومعاقبتها وأبنائها. كان القانون الروماني يسند للرجل حق حياة أو موت زوجته، بل إن الابن الأكبر كان يتمتع بدوره إزاء أمه بحقوق والده نفسها.

في الحضارة الهندية: كانت الشرائع تعتبر المرأة ضمن ممتلكات الرجل، فعند وفاته يجب أن تحرق مع جثته، وظلت هذه العادة سائدة في الهند حتى أمر إلغائها عام 1829.

في الحضارة البابلية: تعد أفضل مكانة حصلت عليها المرأة في العصور القديمة، فنظمت شريعة حمورابي الحقوق بين الرجال والنساء، وجعلت المرأة حرة تتصرف بأملاكها كما تشاء، ولها حق الإرث والتوريث، وامتهان الكتابة والتجارة.

الحضارة الفرعونية: كان للمرأة امتياز مقارنةً بنساء حضارات أخرى، ويعود ذلك إلى تأثير الواقع على ضفاف وادي النيل، فالنساء يذهبنّ إلى الأسواق، ويمارسن التجارة، أما الرجال فيبقون في البيوت وينسجون.

في القرون الوسطى: لم تكن المرأة في الغرب بأفضل حال مما كانت عليه زمن الإمبراطوريات القديمة، فسلطة الكنيسة قلصت دور المرأة إلى واحد من اثنين، لتصبح رمزيا، إما السيدة العذراء، أو حواء اللعوب، كما ظهر في تلك الفترة. «حزام العفة» الذي يحبس فيه الرجل المرأة كلما اضطر إلى السفر.

في الحضارة الإسلامية: بعد عادة وأد البنات عند بعض قبائل الجاهلية، جاء الإسلام ليُعيد للمرأة بعض كرامتها وآدميتها، إذ ساوى الإسلام بين الذكر والأنثى، واعترف بشخصيتها القانونية المستقلة، فهي تملك وتبيع وتشتري، وتنتفع دون وكالة، وساوت الشريعة الإسلامية في حق طلب العلم بين الذكر والأنثى. غير أن الرايس ترى أن الواقع يقول: إن مفهوم الأنوثة كثقافة صنعته أدوات السلطة في المجتمعات الإسلامية ليعكس العلاقات الفعلية التي تخدم الرجل، وما دامت الأنوثة تعني السلبية فيجب إبعادها وإقصاؤها قدر الإمكان.

فضاءات الحجب

تؤكد الرايس في بحثها بالكتاب أن «المجتمع العربي الإسلامي يخضع جسد المرأة إلى نواميس وقوانين جدا صارمة، بدءا بنشأته والمبالغة في الخوف عليه والخوف منه، إن تصميم وهندسة البيت العربي التقليدي يكاد يكون كله من أجل حجب جسد المرأة، وتأمينه وحصره داخل هذا الفضاء الذي نلاحظه فيه. الأسوار العالية، البوابات الموصدة، السقائف يصل عددها في بعض البيوت إلى سبعة سقائف، كل ذلك للمباعدة بين العالم الخارجي والعالم الداخلي. تتقلص علاقة البنت بالمكان، يفسح الشارع للرجال وكل الفضاءات العامة لهم، المقاهي، دور اللعب، والرصيف، والليل ملك الرجال، فبينما يتمتع الرجل بكل الفضاءات وينعم بكل الأزمنة تُحجب البنت داخل الأقبية وتحدد علاقتها بالزمن».

الهرب والإبداع

تقدم الرايس تحليلا موسعا عن كيف تعيش المرأة حيال كل هذا، وكيف تهرب المرأة من سلطة المجتمع إلى سلطة أخرى من إنتاج المجتمع أيضا، من إنتاج موروثاته وثقافته، لأنها لا تملك وعي الاختيار. تهرب من سلطة الإنس إلى سلطة الجن، ويأخذ الخطاب - الانفجار - شكل الصرع والنوبات والهستيريا. لكن الرايس تقر منتهية، بأن المرأة الواعية (بفضل التعليم والثقافة) استطاعت أن تتخلص من التفسير الميتافيزيقي، وتؤسس علاقة جديدة مع جسدها، علاقة لا تقوم على الخوف والجهل، بل علاقة معرفية تقوم على فهم قوانينه، واكتشاف جوانبه الخفية الأخرى من طاقات إبداعية وملكات فكرية ومواهب واستعدادات، فظهرت عدة نساء خرجنّ عن الدور التقليدي المعروف، وظهرت المرأة العالمة في كل الاتجاهات، لافتةً إلى اختفاء ظاهرة الصراع، وما على ذلك من حسم الأمر مع الخرافة، حيث تمكنت المرأة بوعيها من وضعها في المكان الصحيح، وأحلت العلم مكانها ليجيب عن أسئلتها.

مسارات قضية المرأة

اقتصادية

تتعلق بإتاحة الفرص وحقها في العمل ودورها في التنمية

تربوية

القدرة على محو كل تربية تعتمد التمييز الجنسوي

ثقافية

خلق عقلية جديدة تتعامل مع المرأة كإنسان لا كأداة

حياة الرايس

-أديبة وكاتبة تونسية

-أستاذة فلسفة

-رئيسة رابـطة الكاتبات التونسيات

-مؤسسة منتدى القصاصين باتحاد الكتاب التونسيين 1984

المؤلفات

«ليت هندا»

مجموعة قصصية

تونس 1991

«جسد المرأة: من سلطة الإنس إلى سلطة الجن»

1995

«المرأة، الحرية، الإبداع»

1992

«سيدة الأسرار ـ عشتار»

2003