أكرم الله بني آدم كما قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }، ومن جملة إكرام الله للإنسان أن سخر الله له ما في السموات وما في الأرض كما قال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}، ومن إكرام الله للإنسان أن أمره بعبادته وحده لا شريك له كما قال تعالى (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين)، وقال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) فقدم المعمول على العامل لإفادة الحصر، أي: نعبدك ولا نعبد غيرك، وهذا غاية الإكرام أن لا يعبد الإنسان إلا الله، ولا يخضع إلا لله، ولكن من غلبت عليه الشقاوة لم يقبل هذا التكريم، فصار يصرف العبادة أو شيئا منها لغير الله، فيتبرك بالأحجار والأشجار ونحوهما، فاستحق حينئذٍ الإهانة قال تعالى: {ومن يهن الله فما له من مكرم).

ومن العجب العجاب: أن يصرف الإنسان العبادة أو شيئا منها، أو يتوسل ويتبرك بما هو مُسخَر له؟!

إن العقول لا تكون سليمة إلا إذا تحررت من الخرافات والاعتقادات الباطلة، ومنها التوسل بالأحجار والأشجار ونحوهما، فالأحجار والأشجار لا تنفع ولا تضر، وكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو غيره من الصحابة مرّ على شيء منها، أو استظل في طريقه بظلالها، أو استراح فيها، لا يدل على مشروعية التبرك بها، بل ذلك منهي عنه، فالعبادة والتبرك لا تثبت إلا بدليل شرعي، وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما قبّل الحجر الأسود في الكعبة (إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُك)، فذكر أن تقبيله هو للتأسي بالنبي، عليه الصلاة والسلام، وليس للتبرك وطلب النفع منه.

ولهذا لم يذهب الصحابة -رضي الله عنهم- إلى غار حراء أو غار ثور، ونحوهما، لطلب التبرك لأنهم يعلمون أن ذلك مما جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنهي عنه.

ولهذا قطع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تلك الشجرة التي كان بعض الناس يقصدونها للصلاة تحتها، لكونهم يرون أنها الشجرة التي تمت تحتها البيعة المذكورة في قوله تعالى (إذ يبايعونك تحت الشجرة)، ولا ريب أن منع الناس من التبرك بتلك الشجرة ولو بقطعها، مسلك شرعي، ولهذا لما كان بعض الناس يتبركون ويعكفون على تماثيلهم ومشاهدهم أزالها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: (فراغ عليهم ضرباً باليمين).

قال شيخنا ابن عثيمين: (ومن حسنات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه لما رأى الناس ينتابون الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان أمر بقطعها).

وأقول: ومن حسنات الأمير خالد الفيصل، أنه أمر بقطع الشجرة التي يتبرك بها بعض الجهال من موقع مزعوم لحليمة السعدية، ومن حسناته كذلك إزالة ما يفعله بعض الجهال في غار حراء وغار ثور من سلوكيات تخالف العقيدة الصحيحة.

وهو بهذا يحسن إلى الناس، لأنه يوجههم إلى ما ينفعهم وهو التعلق بالخالق العظيم وحده لا شريك له، ويمنعهم مما يضرهم وهو التبرك بالأحجار والأشجار.

وكما أن توجيهه حفظه الله هو مقتضى الشرع، فهو أيضا تحرير للعقل من الاعتقادات بالأوهام والخرافات والجمادات.

جزى الله الأمير خالد الفيصل خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته، وجزى الله خيرا نائبه الأمير بدر بن سلطان الذي أشرف على مشروعي التطوير في غاري حراء وثور، وإزالة السلوكيات المخالفة للعقيدة الإسلامية.