في «سوالف ما بعد الفطور» بين طالبين من المرحلة الابتدائية والمتوسطة، قال الأكبر منهما للأصغر بعد أن رأى جرحا صغيرا بأصبعه (أتعلم أن قبائل المايا كانت تقطب جراحها بالاستعانة بنوع من النمل، لأنه بعد قرصه للجلد تلتف أنيابه على الجرح فتغلقه بطريقة أشبه بخياطات الجروح بالمستشفيات).

المهم أن صاحبنا جذبه هذا الحديث بين الطالبين «وحشر أنفه في سوالفهما»، قائلا للأكبر منهما: بالتأكيد إنك قارئ جيد، ولكن في أي كتاب قرأت هذه المعلومة الجديدة، فرد عليه الطالب: لا، لم أقرأها في كتاب ولست بقارئ للكتب أصلا، وإنما سمعتها كمعلومة في مقطع فيديو على يوتيوب.

صاحبنا «الذي حشر أنفه» نسي موضوع «النملة والمايا» وحول النقاش لمعرفة السبب الذي جعل هذا الطالب غير قارئ للكتب، رغم شغفه بالاطلاع على المعلومات حتى الغريبة منها، فرد عليه الطالب «من وين أجيب كتب وأنا ما معي فلوس؟».

فرد صاحبنا: «طيب وين مكتبة المدرسة ما فيها كتب مجانية؟»، فقال الطالب «إلا، بس أهون علي أسرق بنك ويقبضون علي الشرطة، ولا إني أستعير كتاب من مكتبة مدرستنا، ويصير له شيء!»، وأكمل الطالب حديثه بأنه كي يتمكن من استعارة كتاب من مكتبة المدرسة يجب عليه كتابة تعهد بخط يده، وله نص محدد يحفظه «أمين عام الأمم المتحدة، أقصد (أمين المكتبة)»، ومن ثم يختم عليه هذا الأمين ويذهب بعدها الطالب لمدير المدرسة ليختم ختما آخر غير الختم الأول (وكأنها تأكيد على خروج لوحة دافينشي من المدرسة وليس نسخة من آلاف النسخ من كتاب ما)، وبعدها يعود لأمين المكتبة مرة أخرى ليبلغه أنها حصل على الختمين ليسلمه هذا الكتاب.

وفي حال أوفى هذا الطالب بعهده وتعهده بأنه قد حمى هذا الكتاب في السراء والضراء وفي السر والعلن وفي الصحة والمرض و..... و..... «ربي عداها على خير»، فعليه أن يبدأ نفس الرحلة السابقة (مساوية لها في الخطوات ومعاكسة لها في الاتجاه)، فيبدأ بتسليم الكتاب للأمين هذا، ويقوم الأمين بفحصه تحت الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء، للتأكد من أن هذا الكتاب هو نفسه، وأنه لم يتعرض لأية عوامل تعرية أو جيوفيزيائية، ومن ثم يختم له ختما أول ثم يذهب لمدير المدرسة للختم الثاني، وبعد الختمين فقط تسقط العهدة من ذمة المتعهد.

خلاصة القول: إن كان هذا الإجراء بالفعل هو ما يتم في أية مدرسة تابعة لوزارة التعليم ولم تتخذ الوزارة إجراءات تحض بها طلابنا ليكونوا أنفسهم أمناء على الكتب لقراءتها (وليس مشاهدة المقاطع التثقيفية، أو القراءة من الشاشات بجميع أنواعها)، فسيأتي يوم وتسمع أثمن الكتب وأعلاها قيمة فكرية وثقافية وحتى مالية يصرخ بأعلى صوته بعد أن يرى تردي أحوالنا الفكرية والثقافية وحتى اللغوية قائلا: (حتى وإن لم يكن لديك قيمتي فـ(لا مانع لدي أن تسرقني!)).