لا شك أن العيد المقبل علينا الأحد القادم -حسابيا- سيكون مميزا جدا، وسيكتب التاريخ في صفحاته أنه عيد مختلف عن كل الأعياد التي سبقته، وأن المتنبي -الشاعر الأصيل- لو عاشه لغيّر مفردات أسئلته في بيته الشهير:

«عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ * بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ؟».

فعيدنا جديدٌ ومختلف، في صور كثيرة، لست في حاجة لتكرارها، وهنا سأركز على موضوع صلاة العيد، التي لن يتيسر أداؤها هذه السنة بالصورة المعتادة، للظرف الذي تمر به الدنيا بأسرها، وتحقيقا واستجابة للقرارات الحكيمة المتوافقة مع المقصد السامي للشرع، في حفظ النفس من الوقوع فيما قد يهلكها.

مما ذكره الفقهاء في موسوعتهم، أنه يُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ لَيْلَة الْعِيدِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ ذِكْرٍ وَصَلاَةٍ وَتِلاَوَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَارٍ، كما َيُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِلْعِيدِ، وَيُسْتَحَبُّ للإنسان -رجلا أو امرأة، كبيرا أو صغيرا- أَنْ يَتَزَيَّنَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَحْلِقَ شَعْرَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ وَيَتَطَيَّبَ. كما ذهبوا إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّهْنِئَةِ بِه، وغير ذلك من آداب.

أما صلاة العيد -وهي لب المقال- فالْفُقَهَاءُ الأربعة مختلفون فِي حُكْمِها؛ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، َوذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ.

صلاة العيد -هذا العام- تتعذر إقامتُها، وأقرب حكم لها هو تنزيلها منزلة حكم أدائها بعد خروج وقتها وفواتها، وللعلماء في ذلك أراء مختلفة. فالأحناف والمالكية ذكروا أنها لا تقضى؛ لأنّها صلاة خاصّة لم تشرع إلاّ في وقت معيّن وبقيود خاصّة؛ والشافعية عندهم أنّ نوافل الصّلاة كلّها يشرع قضاؤها‏، وعليه فصلاة العيد تقضى في أي وقت، وكيفما كان‏،‏ منفرداً أو جماعةً؛ والحنابلة قالوا لا تقضى، ومن أحبّ قضاءها مخيّر إن شاء صلّاها أربعاً، إمّا بسلام واحد، أو بسلامين‏.

آداب العيد التي ذكرتها سابقا، علينا عدم تفويتها، وعلى كل أسرة في بيتها أن تقيم كل المظاهر المتعلقة بالعيد، وما فاتها من فضل مشروعية التزاور، تحييه بالاتصالات المسموعة والمرئية، ولأن صلاة العيد في حالنا هذا العام لن تُصلى أصلًا، فيستحب لرب كل أسرة أن يصليها جماعة بأسرته، على صفتها -ركعتان جهريتان، مع التَّكبيرات الزَّوائد المعروفة: سِت تَكْبِيرَاتٍ فِي الرَّكْعَةِ الأْولَى عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الإْحْرَامِ، وَخَمْس فِي الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْقِيَامِ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ- من دون خطبة بعدها، والأصل في ذلك، كما ذكرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في الجزء الثامن من الفتاوى، قوله صلى الله عليه وسلم: «فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا»، وما رُوي عن سيدنا أنس -رضي الله عنه- أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبدالله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما. وعيد سعيد مقدما.