في هذه الأيام، ترتسم الفرحة الغامرة على محيا وقسمات أبنائنا خريجي وخريجات مؤسسات التعليم العالي من الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة وذلك بعد سنوات من المرور بمحطات الجد والاجتهاد والمثابرة والصبر الطويل. أيضا تبتهج أنفس أساتذتهم وآبائهم وأمهاتهم وهم يرون سواعد البناء تقطف ثمار النجاح والإنجاز بإرادة صادقة وهمة عالية. مؤسساتنا التعليمية ومنذ ما يربو على عقود من الزمان تشارك الفرحة مع الطلبة الخريجين بإقامة حفل خاص لهم في يوم بهيج قبل نهاية العام الجامعي وتستشرف فيه معهم المستقبل الوظيفي والطموحات. وطننا الطموح يبتهج ويستبشر بحماس هؤلاء الخريجين وانضمامهم للعمل في الأسواق المحلية النامية والمليئة بالتحديات والتجارب والفرص الكثيرة.

عدم معرفة موعد نهاية أزمة كورونا الحالية وانطلاقا من مسؤوليتنا في الحفاظ على مكتسبات الوطن، كل ذلك يحتم علينا الالتزام بإتباع الإجراءات الوقائية الصحية القائمة والمتضمنة التباعد الجسدي في أماكن التجمعات. هذا قد يعني صعوبة إقامة حفل تخرج بمفهومه المتعارف عليه خلال الأشهر القادمة. لذلك أرى أن إقامة حفل تخرج افتراضي خلال الفترات القريبة القادمة ولو في إطار محدود لن يحقق مشاركة الخريجين فرحتهم وحسب وإنما سيرسخ مفهوم في ذهن الخريج مفاده أن تحقيق النجاح والاحتفاء به ممكن وقت الأزمات. التوظيف الطارئ لأسلوب التعليم الإليكتروني والتعلم عن بعد بشكل غير مسبوق في الأشهر الأخيرة من العام الجامعي الحالي 1441-1440 ساعد في إكمال المهام التعليمية وتخريج الآلاف من الطلبة في مختلف الدرجات والتخصصات النظرية والعلمية والطبية. استمرار الجهد في تجاوز الصعوبات التقنية لإقامة حفل تخرج افتراضي هو تحدي غير مسبوق ولكنه حتما يستحق المحاولة.

بكلمات ومشاعر وطنية نتوجه جميعا لطلبتنا الخريجين بالتهنئة والتبريكات الصادقة ونحثهم بالتمسك بالأسس الثابتة التي قامت عليها بلادنا المباركة والحفاظ على الوحدة الوطنية. على الرغم من التحديات غير المسبوقة في ظل الأزمة الحالية إلا هناك تبلور لحياة عملية جديدة وفرص نجاح مستقبلية بلا حدود للمثابرين والجادين. كثيرون يرون أن عالم ما بعد كورونا سيصاحبه تغير في إعادة بناء مجالات الاقتصاد. لذلك هناك خطوات استعداد تستدعي إلمام الخريج بها للوصول إلى عمل ناجح. من هذه الخطوات صناعة واستثمار الفرص، تبني فكرة التطوير والتحسين المستمر في أسلوب العمل وتحويله إلى واقع حقيقي ملموس، تعلم التكيف السريع وإدارة الضغوط وقت الأزمات، الاستفادة من توجيهات أصحاب الخبرات، متابعة التطورات العلمية والتقنية في مجال العمل.

الديناميكية المستمرة لتحقيق التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة في وطننا الطموح تتطلب من خريج هذا العصر عدم إطالة الوقوف في محطة التخرج والعمل على تنمية مهاراته وقدراته التنافسية ذات الأثر الواسع باستمرار للتكيف مع المتغيرات والتطورات التي يشهدها سوق العمل الجديد.

من الأهمية بمكان استمرار العمل الدؤوب والمتزامن في الجامعات لربط التعليم بسوق العمل المستجد من خلال تركيز وتوجيه طاقات الشباب في التخصصات الهامة التي تحتاج إلى مهارات ومعارف محددة. أيضا استمرار التحسين في جودة التعليم الجامعي لتخريج المزيد من السواعد البناءة في المجتمع والتي ستسهم بشكل واضح في التنمية المستدامة وتحقيق أهداف رؤية 2030.

أستاذ علم الفيروسات السريري المساعد

جامعة نجران