كثير منا تلقى خبر إتاحة إجراء عقود الزواج إلكترونيا بالفرح، خاصة وأن به يمكن إتمام جميع إجراءات عقد الزواج دون الحاجة لزيارة المحكمة المختصة، وهذه تسهيلات مقدرة من وزارة العدل الموقرة، لا يمكن إنكارها، للمقبلين على الزواج، وقبلهم لمن يجري العقد، والذي يسمى في الفقه القديم «مأذون القاضي»، وقليلا قليلا سيستوعب ذلك كل المأذونين، وكل الأزواج، خاصة وأن عقود الزواج حسب نظام الكتابة في دفاتر الضبط، ستصبح من الماضي المهجور..

في أواخر شعبان الماضي، عقد مجمع الفقه الإسلامي الدولي، (عن بعد) بجدة، ندوة فقهية عنوانها «فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية»، رأسها رئيسه الشيخ صالح بن حميد، بارك الله فيه، وحضرها العلماء المعنيون بها، ونصت التوصية 22 على أنه «يجوز عقد النكاح عبر وسائل الاتصال المتعددة عند الحاجة أثناء هذه الجائحة، ما دام يحتوي على الأركان والشروط اللازمة، وذلك بمعرفة السلطات المعنية.. وهذا يقتضي توافر جميع الأركان كالعاقدين والشروط كالشهود، ويجب أن تقتصر حفلات الأعــراس على الأقربين من أهل العروسين، وبأقل عدد ممكن مع مراعاة الأحكام والتوجهات الطبية»، وهو تطوير محمود للمجمع الذي منع ذلك، قبل (31) سنة، عندما ناقش (حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة)، لاختلافه عن العقود الأخرى التي أجازها، ولاشتراط الإشهاد فيه، وهذا القديم ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، بفتوى في حينها، موجودة في الجزء 18 نصها: «ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية..».

من أجمل المتعلق بالزواج (عن بعد)، سؤال وجهه أحدهم لسماحة رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز بن باز، قائلا: «أريد أن أعقد على فتاة وأبوها في بلد آخر ولا أستطيع أن أسافر إليه لنجتمع جميعا لإجراء العقد لظروف مالية وغيرها وأنا في بلاد الغربة، فهل يجوز أن أتّصل بأبيها ويقول لي زوجتك ابنتي فلانة وأقول قبلت، والفتاة راضية وهناك شاهدان مسلمان يسمعان كلامي وكلامه بمكبر الصوت عبر الهاتف؟، وهل هذا عقد شرعي؟، فأجابه، رحمه الله رحمة واسعة، بقوله: «ما ذُكر إذا كان صحيحا (ولم يكن فيه تلاعب)، فإنه يحصل به المقصود من شروط عقد النكاح الشّرعي ويصح العقد»..

البعض يخلط بين (الزواج الإلكتروني) و(الزواج عن بعد)، والفرق يبنهما دقيق؛ فالأول، الحالي، لا بد فيه أن يحضر الأطراف المعنيون مجلس العقد، والثاني غير ذلك؛ ويظل الثاني أملا منتظرا التوجيه الكريم بتحقيقه، في هذه الأيام، للحاجة إليه، وفيما بعدها للتيسير والتسهيل كذلك.. اليوم كل أطراف عقد النكاح يمكن أن يجتمعوا (عن بعد)، بالصورة وليس بالصوت فقط، ويمكن إنزاله منزلة التوكيل في عقد النكاح، الذي أجازه العلماء، اعتمادا على توكيل سيد الوجود، صلى الله عليه وسلم، لسيدنا عمرو بن أمية في قبول النكاح له على سيدتنا أم حبيبة، رضي الله عنهم، وهي يومئذ بأرض الحبشة؛ واليوم أصبح الغش والخداع في عقد النكاح (عن بعد)، في ظل التطبيقات الحديثة محالا، وصار التحقق من شخصيات العقد، وسماع الإيجاب والقبول، والشاهدين ممكنا، ومقاصد الشرعية تطلبه.