كانت هذه العمامة تسمى العمامة الألفي، وحتى الآن فإني لا أعرف هذه النسبة هل هي إلى تاجر اسمه الألفي، كان يستورد هذه العمائم الحجازية ويبيعها، أم أن النسبة إلى اللفة نفسها، على أي حال كانت هذه العمائم هي اللباس الرسمي في الحجاز، بل واللباس الشائع في أوساط التجار والعلماء والأساتذة وأبنائهم، بل وحتى الطبقة المتوسطة من الناس، ونوجز الحديث عن العمامة لضرورتها في أيام الأعياد بالذات، والعمامة الحجازية هي لباس للرأس من الخوص الرقيق مكسوة من الخارج بقماش حريري مختلف الألوان، يجمع بين الأصفر والأحمر والأسود والأخضر، ومكسوة من الداخل بقماش حريري أزرق أو أبيض، ولكن هذه العمامة يجب أن تلف، واللفة مكونة من الشاش الأبيض الذي يبلغ طوله عدة أمتار، وكان الذي يتولى لف العمامة يضعها فوق إحدى ركبتيه ويمسك بطرف اللفة ويبدأ في تكويرها على العمامة بإتقان، بحيث تبدو متدرجة وتكون عالية من الجانبين، أما مقدمتها فتكون اللفة فيها صغيرة لتوضع في وسط هذه المقدمة العدبة. وكان الأشراف يميزون عمائمهم بأن تكون العدبة طويلة وتغطي جزءا من رأس العمامة، وكان الناس الذين يلبسون العمائم بصورة دائمة يتعلمون كيف يلفونها بأنفسهم لأنهم يحتاجون إلى تغيير اللفة كلما اتسخ القماش الأبيض الذي تتكون منه اللفة، ولكن هناك بعض الرجال اشتهروا بالتفنن في إتقان لفة العمامة بحيث تظهر في شكل جميل متقن، وكان الناس وخاصة الصغار الذين لا يلبسون العمائم إلا في المناسبات يلجؤون إلى هؤلاء المشاهير في لف العمائم ليقوموا بلف عمائمهم، وكان من أشهرهم في مدينة جدة المرحوم الشيخ إبراهيم الصبان، وكان من كبار التجار الذين تخصصت عائلاتهم في تصدير جلود الضأن والماعز إلى الخارج، وكنا نلجأ إليه في المناسبات الهامة كالأعياد أو الحفلات المدرسية بعمائمنا ليلفها لنا، وكنا نقضي الساعة تلو الساعة انتظارا لأخذ العمامة من كثرة إقبال الناس على الرجل، ونراه وهو عاكف على لف العمامة تلو الأخرى دون ضجر ومبسم الشيشة في فمه ينفث منه الدخان. وقد انتهى عهد العمامة بعد أن شاع لبس العباءة العربية والعقال، وأصبحت لا تُرى إلا على رؤوس قلة قليلة لم تزل محتفظة بها، وكان آخر من يلبس العمامة الحجازية من الرجال المعروفين، الشيخ الشنقيطي سفير الأردن الأسبق في جدة، والتي ورثها عن والده الشيخ الشنقيطي الذي كان إماما للشريف الملك عبدالله بن الحسين وهاجر معه إلى الأردن، أما العمامة نفسها فهي موجودة الآن في أسواق مكة المكرمة ويشتهر بها بعض الحجاج الأفارقة الذين يستعملونها دون لفة، ومنهم رسميون كبار تظهر صورهم في وسائل الإعلام المختلفة.

ولعل مما يحسن ذكره في هذا المقام أن العمامة الحجازية «العمامة الألفي» والتي كانت اللباس السائد لدى التجار والعلماء وأوساط الناس والشباب المتعلمين، كانت علامة مميزة في ذلك الوقت وشعارا للبلاد وكانت مرسومة على باب مكة، وهو باب كان مقاما في منطقة باب مكة في مواجهة سوق البدو، وفي أعلاه لوحة كبيرة نقش عليها بعض الشعارات المميزة، وكانت العمامة الألفي من ضمن هذا الشعار، وقد أزيل هذا الباب مع الأبواب الأخرى التي كانت تحيط بمدينة جدة مثل باب جديد، وباب شريف، وباب البنط، بعد إزالة السور الذي كانت هذه الأبواب منافذ له في مختلف جهات المدينة.

ملابس الشباب

أما ملابس الشباب المتعلمين من أبناء التجار وأوساط الناس، فهي تتألف كذلك من الثوب والجبة والعمامة الألفي، ولكن الكوت يحل محل الشاية التي تميز ملابس العلماء والتجار، ولا تختلف ملابس الشباب في شيء عن ملابس التجار من جهة نوعية القماش إلا بحسب ما يكون عليه هؤلاء الشبان من يسر الحال، فإن كانوا من أبناء التجار كانت ملابسهم من الحرير الغالي الثمن وكانوا أسرع إلى استعمال الجديد من أنواع القماش، بينما يتريث آباؤهم كثيرا في تغيير ما ألفوه، وإن كانوا من أوساط الناس لجأوا إلى الأقمشة المعتدلة الأثمان، تمشيا مع أحوالهم الاقتصادية وقدراتهم، ولكن ملابس العيد والاحتفالات الكبيرة تكون دائما من أغلى الأنواع وأجودها، ولقد أدركت هذه الطبقة من الناس وهم يستعملون اللاس وهو قماش حريري خالص كان يرد من جاوا ثم أصبح يرد من أوروبا، وهو مشروك بالقطن فكانوا يسمونه اللاس الصناعي، حيث أفتى بعض العلماء بجواز لبسه لأنه ليس من الحرير الخالص.

كما كان هناك قماش كثير اللمعان يشبه التفتاه، إلا أن خيوطه أكثر بروزا ويسمى النزك، وكان كل بضعة أعوام يرد قماش جديد وخاصة في مواسم الأعياد ليحتل الصدارة في ملابس الشبان والصغار، وكانت هذه الأقمشة تستعمل في الأكوات والجبب مثل النزك، أما اللاس فكان يستعمل حتى في الثياب، ثم جاء البوبلين وهو قماش قطني ناعم، فحل محل البفتة وخاصة في الثياب والجبب والأكوات، والكوت هو نفس الكوت المستعمل حاليا، وكان الناس يلجأون إلى الخياطين من بداية شهر رجب لخياطة الأكوات والجبب، أما الثياب فكانت تخيط في البيوت بواسطة الأمهات والأخوات.

وكان الشباب هم أول من أقدم على ترك الجبة والعمامة في الخمسينات، بعد أن تبين لهم أن لباسها غير عملي بالنسبة لأعمارهم وطبيعة أعمالهم، ولما تقيدهم به من وقار في حركاتهم لا يتفق مع طبائع الشباب التي يميل إلى الانطلاق، فكان أن أقدم بعضهم على ترك الجبة والعمامة مكتفيا بالشال والكوفية الحجازية مع الكوت.