ولعل مما يحسن ذكره في هذا المقام أن العمامة الحجازية «العمامة الألفي» والتي كانت اللباس السائد لدى التجار والعلماء وأوساط الناس والشباب المتعلمين، كانت علامة مميزة في ذلك الوقت وشعارا للبلاد وكانت مرسومة على باب مكة، وهو باب كان مقاما في منطقة باب مكة في مواجهة سوق البدو، وفي أعلاه لوحة كبيرة نقش عليها بعض الشعارات المميزة، وكانت العمامة الألفي من ضمن هذا الشعار، وقد أزيل هذا الباب مع الأبواب الأخرى التي كانت تحيط بمدينة جدة مثل باب جديد، وباب شريف، وباب البنط، بعد إزالة السور الذي كانت هذه الأبواب منافذ له في مختلف جهات المدينة.
ملابس الشباب
أما ملابس الشباب المتعلمين من أبناء التجار وأوساط الناس، فهي تتألف كذلك من الثوب والجبة والعمامة الألفي، ولكن الكوت يحل محل الشاية التي تميز ملابس العلماء والتجار، ولا تختلف ملابس الشباب في شيء عن ملابس التجار من جهة نوعية القماش إلا بحسب ما يكون عليه هؤلاء الشبان من يسر الحال، فإن كانوا من أبناء التجار كانت ملابسهم من الحرير الغالي الثمن وكانوا أسرع إلى استعمال الجديد من أنواع القماش، بينما يتريث آباؤهم كثيرا في تغيير ما ألفوه، وإن كانوا من أوساط الناس لجأوا إلى الأقمشة المعتدلة الأثمان، تمشيا مع أحوالهم الاقتصادية وقدراتهم، ولكن ملابس العيد والاحتفالات الكبيرة تكون دائما من أغلى الأنواع وأجودها، ولقد أدركت هذه الطبقة من الناس وهم يستعملون اللاس وهو قماش حريري خالص كان يرد من جاوا ثم أصبح يرد من أوروبا، وهو مشروك بالقطن فكانوا يسمونه اللاس الصناعي، حيث أفتى بعض العلماء بجواز لبسه لأنه ليس من الحرير الخالص.
كما كان هناك قماش كثير اللمعان يشبه التفتاه، إلا أن خيوطه أكثر بروزا ويسمى النزك، وكان كل بضعة أعوام يرد قماش جديد وخاصة في مواسم الأعياد ليحتل الصدارة في ملابس الشبان والصغار، وكانت هذه الأقمشة تستعمل في الأكوات والجبب مثل النزك، أما اللاس فكان يستعمل حتى في الثياب، ثم جاء البوبلين وهو قماش قطني ناعم، فحل محل البفتة وخاصة في الثياب والجبب والأكوات، والكوت هو نفس الكوت المستعمل حاليا، وكان الناس يلجأون إلى الخياطين من بداية شهر رجب لخياطة الأكوات والجبب، أما الثياب فكانت تخيط في البيوت بواسطة الأمهات والأخوات.
وكان الشباب هم أول من أقدم على ترك الجبة والعمامة في الخمسينات، بعد أن تبين لهم أن لباسها غير عملي بالنسبة لأعمارهم وطبيعة أعمالهم، ولما تقيدهم به من وقار في حركاتهم لا يتفق مع طبائع الشباب التي يميل إلى الانطلاق، فكان أن أقدم بعضهم على ترك الجبة والعمامة مكتفيا بالشال والكوفية الحجازية مع الكوت.