تبلل عبدالله وتصبب عرقا، وهو يبحث في الأسواق عن محل لبيع الأدوات الموسيقية دون أن يجد ضالته.

عبدالله الذي قدم إلى المملكة من إحدى البلدان العربية، كان عازفا على العود في بلده، وحين وصلها لم يدر بخلده أنه سيجوب مدينته طولا وعرضا بحثا عن آلة موسيقية يشتريها دون أن يظفر بها.

كآبة عبدالله التي عاشها منذ سنوات، تبددت في نوفمبر الماضي، وجاءت في إطار جملة تطورات جديدة تشهدها المملكة ضمن موجة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والرياضية.

في 7 نوفمبر 2019 نشر وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، تغريدة، أعلن فيها عن توصل وزارة الثقافة لاتفاق تعاون مع وزارة التعليم، لإدراج الثقافة والفنون في مناهج التعليم العام والأهلي، إضافة إلى نقل صلاحية إعطاء التصاريح والرخص للأنشطة والمسارات الثقافية والفنية إلى وزارة الثقافة، وأن يكون لوزارة الثقافة التصريح للمعاهد والجامعات والكليات والمدارس الأهلية للبرامج والأنشطة والمسارات التعليمية المستحدثة في الثقافة والفنون، إلى جانب دراسة نقل إنشاء وإصدار التصاريح للمعاهد والكليات والمدارس الأهلية المتخصصة في مجالات الثقافة والفنون إلى وزارة الثقافة، كما تم الاتفاق المبدئي بين الوزارتين على تفعيل واستخدام وتشغيل مرافق وزارة التعليم كالمسارح المدرسية والجامعية.

وفي يونيو الماضي، أعلن وزير الثقافة عن إدراج الجامعات السعودية أقساما تعليمية في الموسيقى والفنون والمسرح، وذلك في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعات الحكومية، وقال عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، «خطوة إلى نهضتنا الثقافية: كلية الثقافة والفنون في جامعة الملك سعود، بكالوريوس العلوم في الفنون السينمائية في جامعة عفت، ماجستير الآداب في الأدب المسرحي في جامعة الملك عبدالعزيز».

بشرى سارة

في تويتر قال الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان: «الموسيقى والمسرح والفنون في تعليمنا، والقادم أجمل»، كما نشر صورة أرشيفية لفرقة موسيقية من طلاب مدرسة سعودية، وأرفقها بعبارة «أيام جميلة... ستعود».

تغريدة الوزير أنهت 60 عاماً من غياب الموسيقى عن المدارس السعودية.

تغيير

أطلقت التغريدة العنان أمام طموحات الموسيقيين والراغبين بتعلم الموسيقى، وعادت محلات بيع الأدوات الموسيقية للظهور والانتشار والتوسع، وبدأت بيوت الموسيقى بالانتشار والتفكير بإنشاء فروع جديدة في مدن جديدة، كما نشطت دورات التعليم الموسيقي للراغبين، سواء كانت بشكل جماعي أو فردي.

تهذيب

عرفت جدة بيت «زرياب» المسمى على اسم الموسيقي أبي الحسن الموصلي، وهو من بلاد الرافدين، وكان موسيقيا ومطربا عذب الصوت.

أسس عاشق الفن والموسيقى عبدالله الحضيف البيت منذ 3 سنوات في دار تاريخية قديمة جدا في المنطقة التاريخية لجدة، يبلغ عمرها 300 سنة، وحرص على المحافظة على طرازها العتيق، وأدخل فيها إصلاحات جديدة بطريقة تقليدية مستخدما الخشب والحجر والطين، فأعاد ترميمها وتهيئتها لاستقبال محبي الموسيقى وطالبي تعلمها. كما عرفت جدة كذلك دارا أخرى، هي «أرباب الحرف» التي تعد دارا ثانية للحضيب في حي البساتين بجدة أيضا، ويترقب الحضيب افتتاح مركزه الموسيقي الثالث قريبا في الرياض. يقول الحضيف لـ»الوطن»: «أؤمن أن الموسيقى تهذيب للنفس وتفريغ للطاقات، فافتتحت البيت ليطلق الشباب من الجنسين أرواحهم مع الموسيقى ويمارسوا هوايتهم المفضلة. وهي مبادرة شخصية مني، حصوصاً وأنني وجدت أن معظم العازفين في المملكة تعلموا العزف كهواية دون نوتة أو مركز موسيقي مؤهل، وهذا ما نعمل عليه عبر تعليم العزف بالنوتة الموسيقية».

إقبال

تابع الحضيف «وجدنا إقبالا شديدا جدا، فقد بلغ عدد المتعلمين والمتعلمات نحو 300 شخص من الذكور والإناث، وبأعمار تراوحت ما بين 8 سنوات و60 سنة، كما أن عدد الإناث يفوق عدد الذكور بكثير، حيث يمكنني القول إن 80% من المسجلين في المركز من الفتيات، وذلك بسبب تمكين المرأة، حيث أرى أن المرأة تريد إثبات ذاتها وتمارس الموسيقى كنوع من تحدي النفس». أكمل: «تمتاز الدارسات لدينا بالتزامهن بالحضور وحرصهن على التعلم بكل اهتمام وشغف، وأجد منهن إقبالا كبيرا على تعلم العزف على العود خاصة، بينما يقبل الشباب على تعلم العزف على آلتي القانون والكمان وهما في غاية الصعوبة والتعقيد».

مدربات

يضيف الحضيف «تمت الاستعانة بمدربات موسيقى من دول عربية مثل تونس ومصر، ونحن نركز على الموسيقى الشرقية، ومركزنا مشروع غير ربحي لكن يتم الحصول على رسوم رمزية من أجل توفير وسداد رواتب المدربين، حيث تكلف الدورة التي مدتها شهر واحد 900 ريال فقط، وتوجد لدينا 4 مستويات».

قلة الدارسين

لم تعرف عسير انتشارا للمعاهد والبيوت الموسيقية، حيث ما زالت تفتقر لهذا النشاط، وهو ما يفسره عازف الناي فهد كشاف بقوله: «لدينا في منطقة عسير كثير من المواهب المدفونة، والراغبة في التعبير عن نفسها، لكنها تفتقد الاهتمام الرسمي، والتعليم والتدريب». يرى كشاف أن نظرة البعض ما زالت قاصرة نحو الراغب في تعلم الموسيقى، وإن كانت هذه النظرة تتغير تدريجيا، خصوصا مع إدراج الموسيقى كجزء من المناهج الدراسية، مما يمنحها حضورا سيغير نظرة بعض أفراد المجتمع نحوها.

انقسام

انقسم 25071 مشاركا في استطلاع أجرته وزارة التعليم في أغسطس الماضي حول تعليم مادة الموسيقى بين مؤيد ومعارض؟

طرح الاستطلاع السؤال التالي: ما رأيك بتعليم مادة الموسيقى بشكل اختياري لطلاب التعليم العالي؟

وجاءت النتائج متقاربة جدا بين المؤيدين ووصلت نسبتهم إلى 46.2%، وغير المؤيدين الذين وصلت نسبتهم إلى 45.8%، بينما فضل 8% الحياد. تشير نتائج الاستطلاع إلى الانقسام الحاد بين المؤيدين وغير المؤيدين، لكن تفوق المؤيدين، يؤكد رغبتهم في تعلم وممارسة الموسيقى كطقس من طقوس الحياة، ويرفض العودة إلى إغلاق السبل أمام ممارستها وحتى الاستماع إليها كما كان الوضع منذ بضع سنوات مضت.

إدراج الموسيقى اختياريا لطلاب التعليم العام

46.2% المؤيدون

45.8% غير المؤيدين

8% محايدون

80 %من متعلمي الموسيقى من الإناث

أكثر المتعلمات يرغبن بالعزف على آلة العود

الشباب يفضلون الكمان والقانون