تضاعف أعداد المنفصلين (الطلاق) في العقود الأخيرة.

لسنا بصدد سرد الأسباب التي تؤدي إلى ذلك أو ما يؤدي به هذا الانفصال والطلاق من تفكك الخلية الأولى للمجتمع وتشتت أفرادها في أحيان كثيرة، لكن آثرنا التطرق لما تتعرض له ثمار هذه العلاقات بعد الانفصال والطلاق، وخاصة عندما يحاول أحد الأطراف أو كلاهما أو حتى من هم حولهم استخدام الأطفال كوسيلة ليّ ذراع للطرف الآخر ناسين أو متناسين أن الأطفال ليسوا سببا ولا طرفا في هذه الخلافات والصدامات، وغالبا هم من يدفعون ثمنا باهظا نتيجة لهذه المعارك بين الزوجين وأحلافهم وينتج هذا عن قلة وعي الآباء أو من حولهم بفظاعة ما يقومون به باستخدامهم البراعم الصغيرة وسيلة ضغط لكسر إرادات الكبار القوية، فيصبحون أي الأطفال ضحايا تعاني وتتساقط جزئيا أو كليا أمام جهل وتعنت هؤلاء المسؤولين أصلا عن تأمين حماية لهم عوضا عن تحميلهم أوزار الكبار الثقيلة.

يعمد بعض الآباء إلى توبيخ الطرف الآخر والتقليل من شأنه أو الانتقاص منه أمام الأطفال ظنا أنه يقلل من احترام الأطفال لهذا الشخص، وأن الطفل سيكون في جانبه ضد الطرف الآخر، وهذا يسبب معاناة نفسية للطفل لا يدركها الأب، فما بالك إذا تعدى ذلك إقدام الوالدين على المشاجرة بل المصارعة أحيانا والصدام أمام أعين الأطفال.

الأطفال هم الحلقة الأضعف في هذه العلاقات، وهم الأكثر تأثرا بنتائج عدم استطاعة الزوجين التوافق على انفصال إنساني واع يتحملون هم مسؤوليته لوحدهم، فهو قرارهم هم وحدهم أيضا.

يتعرض الأطفال لصدمة كبيرة فور انفصال الوالدين فيحس الطفل أن العالم انقلب رأسا على عقب، عوامل كثيرة تكون مؤثرة في قوة هذه الصدمة، وهو عمر الطفل وكذا إدراكه لمفهوم الطلاق والأسلوب الذي اختاره الآباء للانفصال، وأيضا ما يحصل عليه من دعم عاطفي ومعنوي ومادي قبل وأثناء وبعد عملية الانفصال هذه.

يتعرض الأطفال أيضا لصدمات متلاحقة بعد انفصال الأبوين، فيتعرض الأطفال أولا لتغيير مكان عيشهم واستقرارهم السابق بمكان جديد يترتب عليه فقدان الأمان والاستقرار العاطفي ويعرضهم لإجهاد نفسي عال للتأقلم على الظروف الجديدة دون أحد الأبوين.

قد يغضب الطفل من أحد الوالدين اعتقادا منه أنه السبب في الانفصال فيتحول ذلك إلى كره وما لذلك من أبعاد نفسية عليه.

انفصال الوالدين لا يعني افتقاد الطفل لبعض مزاياه بوجوده بكنفهم بل يتعدى ذلك بإحساسه أنه فقد الأمان، أصبح مشتتا بين الأبوين، هذا إن لم يفقد الاتصال بأحدهما وهذا يحصل كثيرا، بل يتعدى ذلك أحيانا بأنه يحس أنه فقد الحياة ذاتها.

قد يصاب الأطفال بأعراض مرضية عضوية أو نفسية نتيجة لهذا الانفصال، وخاصة إذا كان الانفصال عنيفا وسلك طرقا عدائية تجاه الطرف الآخر، فقد يتعرضون للتبول الليلي، والحدة في الطباع والعناد، وقد يظهر سلوك مضطرب عليهم مثل الانطواء على الذات، وعدم التركيز والتشتت الفكري والتراجع في التحصيل العلمي.

إذا كان ولا بد من الانفصال وتعذرت الأسباب للعيش المشترك، وأصبحت العلاقة مؤذية لأحدهما أو لكليهما أو حتى مؤذية للعائلة جميعا، فهذا أيضا يؤدي إلى أضرار معنوية ونفسية على الطفل، لذا يجب التوافق على انفصال حضاري والاتفاق على كيفية إدارة هذا الانفصال وتبعاته بشكل ودي، وخاصة فيما يتعلق بالأطفال ليكون بأقل ضرر ممكن عليهم، وأول واجبات الوالدين أن يشعرا الأطفال بأنهم لم يخسروا شيئا فيتجنب الآباء أولا التفكير الكارثي من نتائج هذا الانفصال فيشعران الأطفال بأنهم لا يزالون بكنف الوالدين، فيغمرونهم بالحب والعطف والحنان، وكذا الرعاية وتغطية احتياجاتهم المعنوية والمادية والحرص على تحمل المسؤولية في ذلك بدقة متناهية.

كما يجب التذكر بأن الطليقين كانت لهما حياة مشتركة وهما ليسا أعداء لكن لم يوفقا بإدارة حياتهما، ولم يتمكنا من تجاوز الخلافات فآثرا الفراق والطلاق، وقد تكون الأسباب وجيهة بعدم إمكانية استمرار الطليقين بحياة مشتركة نظيفة خالية من المتاعب والمشاكل التي قد لا تحتمل، لذا يجب أن يكون الانفصال بالطرق السلمية، وأن يسود التوافق الودي والهدوء في معالجة هذا الأمر خاصة أمام الأطفال، وتحييد الأطفال وإبعادهم ما أمكن عن بؤرة الصراع إن وجد، واتباع منهج مستقر ومفهوم ومتناسق في التربية لا يكون صلبه الاختلاف في التعاطي مع الأمور التربوية وخاصة قيام البعض بمحاولة استمالة الطفل بالسماح له بفعل كل شيء بتحطيم كل الحدود التي تحميه تربويا فيصبح غير مستقر لا يعرف حدود الصواب من الخطأ، بينما الصحيح هو معرفة ما هو مسموح وما هو ممنوع وما هو مفيد للطفل نفسه في تربيته أو قد يعود عليه بالضرر.

من المهم جدا عدم التحدث للطفل بسوء عن الطرف الآخر، ناهيك عن خطر تجنيده جاسوسا في أحيان كثيرة.